للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورُوي عن الحسن البصري أنه رَوى عن النبي مُرْسَلا (١) أنه قال: والله لأزِيدَنَّ على السَّبْعِين، فأنْزَل الله عَزَّ وَجَلَّ: (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) [المنافقون: ٦]. وذِكْر عَدد السَّبْعِين للمُبَالَغَة في إثْبَات اليَأس (٢).

ويَرى الثعلبي أنَّ قَوله تَعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا) مُسْتأنَف، ثم قال: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا) يعني يَسْرِق الدِّرْع، (أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) برميه البريء في السرقة. يقال: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا) أي: شركاً، (أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) يَعني بِمَا دُون الشِّرْك. (ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ) أي: يَتُوب إلى الله (يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا) مُتَجَاوِزًا (رَحِيمًا) بِه حِين قَبِلَ تَوبَته (٣).

وفي آيَة "التوبة" قال: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ) يَعني لِهَؤلاء الْمُنَافِقِين (أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) لَفْظُه أمْر، ومَعْنَاه جَزَاء، تَقْدِيره: إن اسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أوْ لم تَسْتَغْفِر لهم (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) (٤).

ويَقول الزمخشري: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا) قَبِيحًا مُتَعَدّيًا يَسُوء بِه غَيره، كَمَا فَعَلَ طُعْمَة بِقَتَادَة (٥) واليَهُودِي، (أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) بِمَا يَخْتَصّ به كَالْحَلِف الكَاذِب.

وقِيل: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا) مِنْ ذَنْب دُون الشِّرْك، (أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) بالشِّرْك. وهذا بَعْثٌ لِطُعْمَة على الاسْتِغْفَار والتَّوبة لِتَلْزَمه الْحُجَّة مَع العِلْم بِمَا يَكون مِنه، أوْ لِقَومِه لِمَا فَرَط


(١) قال العراقي: مراسيل الحسن عندهم شِبْه الرِّيح (تدريب الراوي، السيوطي ١/ ٢٠٤).
(٢) تفسيره (٢/ ٣٣٢).
(٣) الكشف والبيان، مرجع سابق (٣/ ٣٨٣).
(٤) المرجع السابق (٥/ ٧٧).
(٥) المراد به: قتادة بن النعمان رضي الله عنه، كما في رواية الترمذي (ح ٣٠٣٦) وضعّف الترمذي إسناده، وكذا ضعفه مُحققو تفسير ابن كثير (٤/ ٢٦٢، ٢٦٣).

<<  <   >  >>