للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمَّا الْهُدى الذي هُو الدُّعَاء فَهو عَليه، وليس بِمُرَادٍ في هَذه الآيَة. ثم أخْبَر تَعالى أنه هو يَهدي مَنْ يَشَاء، أي: يُرْشده .... ثم بَيَّن تعالى أنَّ النَّفَقَة الْمُعْتَدّ بِها الْمَقْبُولة إنّما هِي مَا كَان ابْتِغَاء وَجْه الله؛ هذا أحَد التَّأويلات في قَوله تَعالى: (وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ).

وفِيه تَأويل آخَر، وهو أنّها شَهَادَة مِنْ الله تَعالى للصَّحَابة أنّهم إنّما يُنْفِقُون ابْتِغَاء وَجْه الله، فهو خَبَر مِنْه لَهُمْ فِيه تَفْصِيل، وعلى التَّأويل الآخَر هو اشْتِرَاط عَليهم، ويَتَنَاول الاشْتِراط غَيرهم مِنْ الأُمَّة (١).

وقال الرازي: هذا هُو الْحُكْم الرَّابِع مِنْ أحْكَام الإنْفَاق، وهو بَيَان أنَّ الذي يَجُوز الإنْفَاق عَليه مَنْ هُو؟

ثم ذَكَر في سبب النُّزُول ثَلاث رِوايات (٢).

وأشَار إلى حِرصِه صلى الله عليه وسلم على هِدَاية النَّاس، فَقال: أنه صلى الله عليه وسلم كَان شَدِيد الْحِرْص عَلى إيمانهم .... فأعْلَمَه الله تعالى أنه بَعثه بَشِيرًا ونَذِيرًا، ودَاعِيًا إلى الله بإذْنه وسِرَاجًا مُنِيرا، ومُبَيِّنًا للدَّلائل، فأمَّا كَونهم مُهْتَدِين فليس ذلك مِنْك ولا بِك؛ فالْهُدَى هاهنا بِمَعْنَى الاهْتِدَاء، فَسَواء اهْتَدَوا أوْ لَم يَهْتَدُوا فلا تَقْطَع مَعُونَتك وبِرَّك وصَدَقَتك عَنهم.

وفيه وَجْه آخَر: ليس عَليك أن تُلْجِئهم إلى الاهْتِدَاء بِوَاسِطة أن تُوقِف صَدَقَتك عَنهم على إيمانهم، فإنَّ مِثْل هَذا الإيمان لا يَنْتَفِعُون بِه، بل الإيمان الْمَطْلُوب مِنهم الإيمان على سَبيل التَّطَوُّع والاخْتِيَار (٣).

واخْتَار أنَّ "ظَاهِر قَوله: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ) خِطَاب مَع النبي صلى الله عليه وسلم، ولَكِنَّ الْمُراد بِه هُو وأُمّته، ألَا تَرَاه قَال: (إِنْ تُبْدُو الصَّدَقَاتِ) [البقرة: ٢٧١]، وهَذا خِطَاب


(١) المُحَرَّر الوجيز، مرجع سابق (١/ ٣٦٧، ٣٦٨).
(٢) التفسير الكبير، مرجع سابق (٧/ ٦٧).
(٣) المرجع السابق (٧/ ٦٨)، والوجه الأخير مُتعقَب بِما كان مِنْ إسْلام المُؤلّفَة قُلُوبُهم، ومِن إسْلام الأسْرَى.

<<  <   >  >>