للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رَوى ابنُ جَرير بإسْنَادِه إلى أبي هُرَيرة قَالك قَال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الْمُؤمِن إذا أذْنَب ذَنْبًا كَانَتْ نُكْتَة سَوْدَاء في قَلْبِه، فإن تَابَ ونَزَع واسْتَغْفَر صُقِلَ قَلْبُه، فإن زَاد زَادَت حَتى تُغْلِق (١) قَلْبَه؛ فَذلك الرَّان الذي قال الله جل ثناؤه: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [المطففين: ١٤] (٢). فأخْبَرَ صلى الله عليه وسلم أنَّ الذُّنُوب إذا تَتَابَعَتْ عَلى القُلُوب أغْلَقَتْها (٣)، وإذا أغْلَقَتْها أتَاها حِينئذٍ الْخَتْم مِنْ قِبَلِ الله عَزَّ وَجَلّ والطَّبْع، فلا يَكُون للإيمان إليها مَسْلَك، ولا للكُفْرِ مِنْها مَخْلَص، فذلك هو الطَّبْع والْخَتْم الذي ذَكَرَه الله تبارك وتعالى في قَوله: (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ) [البقرة: ٧] نَظِير الطَّبْع والْخَتْم عَلى مَا تُدْرِكه الأبْصَار مِنْ الأوْعِية والظُّرُوف التي لا يُوصَل إلى مَا فِيها إلَّا بِفَضّ ذلك عَنها ثم حَلّها، فَكَذَلك لا يَصِل الإيمان إلى قُلُوب مَنْ وَصَفَ الله أنه خَتَم على قُلُوبِهم إلَّا بَعْد فَضّه خَاتَمه، وحَلّه رِباطَه عنها (٤).

أوْ يَكُون مِنْ بَاب التَّقْدِيم والتَّأخِير، فَيَكُون تَقْلِيب الوُجُوه في النَّار، وتَرْكُهم في الدُّنيا يَعْمَهُون، وهذا يَدُلّ عَليه قوله تعالى: (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) [الأحزاب: ٦٦] فإن وُجُوه الكُفَّار تُقَلَّب في النَّار، والتَّوبِيخ وَارِد فِيها أيضًا.

قال جلّ ثناؤه في تَوبِيخ أهْل النَّار في النَّار: (أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (١٠٥) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (١٠٦) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (١٠٧) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ) [المؤمنون: ١٠٥ - ١٠٨].


(١) في بعض النُّسَخ (يُغْلِف) بالفاء بدل القاف، وعند الترمذي (ح ٣٣٣٤) (تعلُو).
(٢) ورواه الترمذي (ح ٣٣٣٤) وقال: هذا حديث حسن صحيح، ورواه ابن ماجه (ح ٤٢٤٤) ومعناه في صحيح مسلم (ح ١٤٤) من حديث حذيفة، وقال الألباني (صحيح سنن ابن ماجه ٢/ ٤١٧) عن حديث أبي هريرة: حسن.
(٣) في بعض النُّسَخ: أغلفتها بالفاء بدل القاف.
(٤) جامع البيان، مرجع سابق (١/ ٢٦٧) ونقله عنه ابن كثير في التفسير (١/ ٢٨٠).

<<  <   >  >>