للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

مما أعرض عنه الأئمة من الصدر الأول، وألا يخالفه راويه من الصحابة قولا أو عملا (١) .

وكان من نتائج شرطهم هذا أن وافقوا المتبدعة من المتكلمين في جزء من موقفهم تجاه السنة النبوية، وضيقوا دائرة المقبول منها موسعين من ساحة القياس.

من هنا رأى المحدثون مجابهة هؤلاء أيضا كما جابهوا الآخرين وقد تمت هذه المجابهة على نحو عملي وتطبيقي وليست بالقول فقط، حيث بين أهل الحديث لهؤلاء أن ما يصح من الحديث مع التشديد في الشروط كثير فاتجهوا إلى تجريد الصحيح وإفراده بالتأليف، إلا أن ذلك لم يكن منهم تجاوبا مع هذا المعطى وحده وإنما مع حاجة الأمة إلى كتاب خاص بالصحيح المسند من الحديث، وكان أول من فتح الباب في هذا المجال هو الإمام البخاري الذي أخبر عن هذا المعطى الأخير بقوله: "كنت عند إسحاق بن راهويه فقال لنا بعض أصحابنا: "لو جمعتم كتابا مختصراً لسنن النبي صلى الله عليه وسلم، فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع هذا الكتاب" (٢) ، وقد جعل اسمه: "الجامع الصحيح المسند المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه" وأفرده لأصح الصحيح خاصة لا مطلق الصحيح، قاصداً فيه الاختصار فقط، وليس الاستقصاء. وفي هذا الإطار يجب أن يفهم قوله المشهور: "أحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي


(١) انظر المحلي شرح جمع الجوامع ٢: ١٣٥-١٣٧، أصول السرخسي محمد بن أحمد بن سهل ت ٤٩٠ ?- ج١: ٣٦٦ – ٣٦٩، الفقيه والمتفقه للخطيب ج ١: ١٣٣- ١٣٨، الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم ج٢: ١٥٢- ١٥٣، الرسالة للشافعي ٤٠١ –٤٥٩، المدخل في أصول الحديث ص ١٥٠ فما بعد.
(٢) تاريخ بغداد ٢: ٨،تهذيب الأسماء واللغات ١: ٧٤، سير أعلام النبلاء ١٢: ٤٠١، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢: ٧،تهذيب التهذيب ٩: ٤٩.

<<  <   >  >>