من كل وجه كما في الإيداع والإعارة والإجارة، أو من وجه كما في الغصب ولم يتمكن من جانب الخارج ما يمنع دعواه الغصب على ذي اليد؛ لأن دعواه الغصب على ذي اليد لو لم تصح إنما لم تصح أن لو عرف الشهود حقيقة الملك لذي اليد، حتى ينبغي غصب ذي اليد، ولا يتصور ذلك، لأن الشهود لا يعرفون حقيقة الملك، وإنما يعرفون الملك من حيث الظاهر وما لم تثبت الشهادة بحقيقة الملك لذي اليد لا ينتفي غصب ذي اليد.
وهذا بخلاف ما لو لم يشهدوا شهود الخارج على ذي اليد بالغصب إنما شهدوا للمدعي بالملك المطلق، وادعى ذو اليد المطلق والعتق أو التدبير، فإن هناك يقضى ببينة ذي اليد؛ لأن هناك لم يثبت بينة الخارج ما يمنع صحة دعوى ذي اليد النتاج، وهو إقراره بالملك للخارج لا من كل وجه ولا من وجه.
فإن قيل: لا بل في تلك الصورة وجد في بينة الخارج ما يمنع صحة دعوى ذي اليد النتاج، وهو الشهادة بالغصب على دعوى ذي اليد من الخارج؛ لأن الشهادة بالملك للخارج شهادة بالغصب على ذي اليد، وإذا كان العين في يد ذي اليد اقتضاء والثابت نصاً، سواء قلنا: نعم الشهادة بالملك للخارج شهادة على غصب ذي اليد، إذا كان العين في يد ذي اليد اقتضاء إلا أن المقتضى ثابت بطريق الضرورة فيتقدر بقدر الضرورة، يرتفع متى أثبتنا غصب ذي اليد بالأخذ، فلا يثبت الإقرار بالغصب مقتضى شهادة الخارج؛ لأن الإقرار بالغصب فوق الإقرار الثابت بالأخذ، لأن الغصب الثابت بالأخذ يوجب الضمان، أما لا يمنع دعواه الملك لنفسه بعد ذلك.
وإذا لم يثبت إقرار ذي اليد بالغصب بشهادة الخارج لم يتمكن في جانب ذي اليد ما يمنع صحة دعواه النتاج، وقد صار بدعوى الإعتاق والتدبير مدعياً النتاج معنى، فتقبل بينته بخلاف ما إذا شهدوا عليه بالغصب، لأن هناك الغصب ثبت بنص الشهادة، وكما يحتمل الغصب بالأخذ يحتمل الغصب بالإقرار، فيعتبر الإقرار ثابتاً لما كان الغصب ثابتاً بنص الشهادة، فباعتبار الإقرار لا يصح دعوى ذي اليد وباعتبار الأخذ يصح، فلا يصح بالشك.
ومما يتصل بهذا النوع ذكر محمد في «الأصل» : شاة في يدي رجل أقام رجل البينة أنها شاته ولدت في ملكه، وأقام صاحب اليد بينة أنها شاته يملكها من جهة فلان وأنها ولدت في ملك فلان ذلك الذي يملكها منه، قضي بها لصاحب اليد؛ لأن صاحب اليد خصم عمن تلقى الملك من جهته ويده يد المتلقي عنه فكأنه حضر وأقام البينة على النتاج، والشاة في يده وهناك يقضى بالشاه له كذا ههنا.
وفي «الأصل» أيضاً: شاة في يد رجل جاء رجل وأقام بينة أنها شاته ولدت في ملكه، قضي بالشاة له إلا أن يعيد صاحب اليد، وهو المقضي له منه على النتاج فحينئذٍ تندفع بينة الثاني ببينته وسلمت له الشاة، أما بدون ذلك لا تندفع بينة الثاني، وهذا لأنا لو دفعنا بينة الثاني بما أقام الأول من البينة فقد دفعنا بينة أحد مدعي النتاج ببينة الآخر وهما خارجان، لأن الأول حين أقام البينة كان خارجاً ولا يجوز دفع بينة أحد مدعي النتاج