وإذا باع شاة بلحم، فإن كانت الشاة مذبوحة مسلوخة جاز إذا تساويا وزناً؛ لأن كل واحد منهما موزون، فقد باع موزوناً بجنسه متساوياً فيجوز، وأراد بالمسلوخة غير المفصولة عن السقط، وإن كانت مذبوحة غير مسلوخة لا يجوز إلا على سبيل الاعتبار بأن يكون اللحم المفصول أكثر؛ ليصير بعضه بإزاء السقط، وإن كانت حية فالقياس: أن لا يجوز إلا على سبيل الاعتبار، وهو قول محمد.
وعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف: يجوز من غير اعتبار؛ لأن الشاة مع اللحم المفصول جنساً مختلفاً عرفنا ذلك بالنص فإن الله تعالى قال:{فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر}(المؤمنون: ١٤) أي: بعد نفخ الروح، فعلمنا أن الحي جنس آخر غير الجماد، فجعلنا الشاة الحية مع اللحم جنسان نصاً، فيجوز بيع أحدهما بالآخر كما لو كانا جنسين حقيقة بأن باع لحم البقر بالشاة وما أشبهه.
وإذا باع ثوبا منسوجاً بالذهب الخالص لابد لجوازه من الاعتبار، وهو أن يكون الذهب المنفصل أكثر، وكان ينبغي أن يجوز البيع من غير اعتبار؛ لأن الذهب الذي نسج في الثوب خرج من أن يكون وزنياً، ولهذا لا يباع وزناً، وربا الفضل يعتمد المجانسة والمعيار، والجواب وهو الأصل في جنس هذه المسائل أن الناس متى تركوا الوزن في شيء للتعذر لا يخرج ذلك الشيء من أن يكون موزوناً.
ألا ترى أنه لو باع لبّ الجوز بالجوز لا يجوز إلا على طريق الاعتبار، والجوز عددي، واللب موزون، فينبغي أن يجوز البيع من غير الاعتبار، ولكن مثل اللب الذي في الحب موزون، وإن ترك الناس وزنه؛ لأنهم إنما تركوا للتعذر بسبب اتصاله بالقشر، فلم يخرجه من أن يكون موزوناً، فقد باع الموزون بجنسه وبشيء آخر فيشترط الاعتبار، ومتى تركوا الوزن في شيء مع الإمكان، فإنه يخرج من أن يكون موزوناً، فإنه لو باع قمقمة من حديد أو صفر ونحاس بقمقمتين من جنسها، وتلك القمقمة لا يباع وزناً، فإنه يجوز يداً بيد؛ لأن الناس تركوا وزنها مع الإمكان، وتركوا الوزن مع الإمكان ينسخ الاصطلاح على الوزن في هذه الأشياء ثبت باصطلاحها بخلاف قمقمة من ذهب أو فضة بقمقمتين من ذلك لا يجوز، وإن تعارفوا بيعاً عدداً؛ لأن صفة الوزن في الذهب والفضة منصوص عليها، فلا يتغير ذلك بالعرف، ولا يخرج من أن يكون موزوناً بالعادة.
إذا ثبت هذا فنقول: الذهب المنسوج لا يوزن لمكان التعذر، فترك الوزن فيه لا يخرجه من أن يكون مال الربا، فعلى هذا الأصل يخرج جنس هذه المسائل.
وفي «البقالي» : أن في الاعتبار الذهب في السقف روايتان، ولا يعتبر العلم في الثوب، وعن أبي حنيفة وأبي يوسف: أنه يعتبر وإذا اشترى شاة حية على ظهرها صوف بصوف منفصل لا يجوز إلا على طريق الاعتبار، أطلق محمد رحمه الله الجواب في المسألتين في «الأصل» .
قال الطحاوي رحمه الله: ما ذكر محمد من الجواب في المسألتين قوله، أما على قول أبي حنيفة وأبي يوسف: يجوز هذا البيع من غير صفة الاعتبار، وجعلت هذه المسألة فرع مسألة بيع اللحم بالشاة؛ لأن الصوف ما دام على ظهر الشاة، واللبن في ضرعها،