وَأَمَّا كَوْنُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْرَدَ الْحَجَّ وَلَمْ يَعْتَمِرْ فِي أَشْهُرِهِ، فَعَنْهُ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَإِنَّ أَكَابِرَ الصَّحَابَةِ مِثْلَ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي طَلْحَةَ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَسُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ، كُلُّ هَؤُلَاءِ يَرْوُونَ التَّمَتُّعَ، إِمَّا بِأَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَلَمَّا قَضَاهَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، أَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ جَمِيعًا.
فَإِنَّ رِوَايَةَ مَنْ قَرَنَ لَا تُخَالِفُ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى التَّمَتُّعَ، سَوَاءٌ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا أَوْ جَمَعَهُمَا فِي سَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ شَهْرِ الْحَجِّ، وَهَذَا لَا يُشَكُّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ اعْتَمَرَ مَعَ حَجَّتِهِ.
فَرَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ، كُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، إِلَّا الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ؛ عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ حَيْثُ صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ، وَعُمْرَةٌ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ حَيْثُ صَالَحَهُمْ، وَعُمْرَةُ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَّمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةٌ مَعَ حَجَّتِهِ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ، وَأَقَرَّتْهُ عَائِشَةُ عَلَى ذَلِكَ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute