الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَظْهَرَ اعْتِبَارُ عَيْنِهِ فِي جِنْسِ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي أَصْلٍ آخَرَ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ، وَلَا جِنْسِهِ فِي عَيْنِ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَلَا جِنْسِهِ فِي جِنْسِهِ، وَلَا دَلَّ عَلَى كَوْنِهِ عِلَّةَ نَصٍّ، وَلَا إِجْمَاعَ لَا بِصَرِيحِهِ وَلَا إِيمَائِهِ.
وَذَلِكَ كَمَعْنَى الْإِسْكَارِ فَإِنَّهُ يُنَاسِبُ تَحْرِيمَ تَنَاوُلِ النَّبِيذِ، وَقَدْ ثَبَتَ اعْتِبَارُ عَيْنِهِ فِي عَيْنِ التَّحْرِيمِ فِي الْخَمْرِ، وَلَمْ يَظْهَرْ تَأْثِيرُ عَيْنِهِ فِي جِنْسِ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَلَا جِنْسِهِ فِي عَيْنِهِ وَلَا جِنْسِهِ فِي جِنْسِهِ وَلَا إِجْمَاعَ عَلَيْهِ، فَلَوْ قَدَّرْنَا انْتِفَاءَ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى كَوْنِ الْإِسْكَارِ عِلَّةً فَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا بِنَصٍّ أَيْضًا، وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ الْغَرِيبُ، وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْقِيَاسِيِّنِ وَقَدْ أَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَإِنْكَارُهُ غَيْرُ مُتَّجِهٍ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الظَّنَّ بِالتَّعْلِيلِ.
وَلِهَذَا فَإِنَّا إِذَا رَأَيْنَا شَخْصًا قَابَلَ الْإِحْسَانَ بِالْإِحْسَانِ وَالْإِسَاءَةَ بِالْإِسَاءَةِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ مِنْ حَالِهِ قَبْلَ ذَلِكَ شَيْءٌ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى الْمُكَافَأَةِ وَعَدَمِهَا، غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ مَا رَتَّبَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ.
وَالَّذِي يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ قَدْ ثَبَتَ لِعِلَّةٍ أَوْ لَا لِعِلَّةٍ.
فَإِنْ كَانَ لَا لِعِلَّةٍ فَهُوَ بَعِيدٌ ; لِمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ مِنَ امْتِنَاعِ خُلُوِّ الْأَحْكَامِ عَنِ الْعِلَلِ.
وَإِنْ كَانَ لِعِلَّةٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِمَا لَمْ يَظْهَرْ، أَوْ لِمَا ظَهَرَ. الْأَوَّلُ وَيَلْزَمُ مِنْهُ التَّعَبُّدُ وَهُوَ بَعِيدٌ عَلَى مَا عُرِفَ، وَالثَّانِي هُوَ الْمَطْلُوبُ.
فَإِنْ قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَبَيْنَ صُورَةِ الِاسْتِشْهَادِ أَنَّا قَدْ أَلِفْنَا مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْعُقَلَاءِ مُقَابَلَةَ الْإِحْسَانِ بِالْإِحْسَانِ وَالْإِسَاءَةِ بِالْإِسَاءَةِ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الْمُلَائِمُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ لَا مِنْ قَبِيلِ الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ الْغَرِيبُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ.
قُلْنَا: نَحْنُ إِنَّمَا نَفْرِضُ الْكَلَامَ فِي شَخْصٍ لَمْ يُعْهَدْ مِنْ حَالِهِ قَبْلَ ذَلِكَ الْفِعْلِ مُوَافَقَةٌ وَلَا مُخَالَفَةٌ، فَلَا يَكُونُ مِنَ الْمُلَائِمِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَلَا مِنَ الْمُلْغَى، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ التَّعْلِيلَ يَظْهَرُ مَنْ فِعْلِهِ لِكُلِّ عَاقِلٍ نَظَرًا إِلَى أَنَّ الْغَالِبَ إِنَّمَا هُوَ غَلَبَةُ طَبِيعَةِ الْمُكَافَأَةِ بِالِانْتِقَامِ وَالْإِحْسَانِ فِي حَقِّ الْعَاقِلِ، كَمَا أَنَّ الْغَالِبَ مِنَ الشَّارِعِ اعْتِبَارُ الْمُنَاسَبَاتِ دُونَ إِلْغَائِهَا. وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فِي شَيْءٍ ; لِأَنَّ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ مَفْرُوضٌ فِيمَا عُلِمَ مِنَ الشَّارِعِ اعْتِبَارُ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ فِيهِ وَالْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ ظَاهِرٌ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الشَّارِعُ قَدِ اعْتَبَرَ جِنْسَ الْوَصْفِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ لَا غَيْرَ، أَيْ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ مَعَ ذَلِكَ عَيْنَهُ فِي عَيْنِهِ وَلَا عَيْنَهُ فِي جِنْسِهِ وَلَا جِنْسَهُ فِي عَيْنِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute