الثَّالِثُ: أَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ يَتَنَاوَلُ نَسْخَ رَسْمِ الْآيَةِ، وَالْأَصْلُ تَنْزِيلُ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَفِي حَمْلِهِ عَلَى نَسْخِ الْحُكْمِ صَرْفُهُ إِلَى جِهَةِ الْمَجَازِ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ، وَالنِّزَاعُ إِنَّمَا وَقَعَ فِي نَسْخِ الْحُكْمِ لَا فِي نَسْخِ الرَّسْمِ.
وَعَنِ الْمُعَارَضَةِ الْأُولَى مِنْ جِهَةِ الْمَعْقُولِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَمْتَنِعُ أَنْ لَوْ كَانَتِ السُّنَّةُ رَافِعَةً لِمَا هِيَ فَرْعٌ عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَا هِيَ فَرْعٌ عَلَيْهِ غَيْرُ مَرْفُوعٍ بِهَا وَمَا هُوَ مَرْفُوعٌ بِهَا لَيْسَتْ فَرْعًا عَلَيْهِ.
الثَّانِي: أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ قَدْ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْأَخْذِ بِمَا يَأْتِي بِهِ الرَّسُولُ وَوُجُوبِ اتِّبَاعِهِ، فَإِذَا أَتَى بِنَسْخِ حُكْمِ الْآيَةِ وَلَمْ يُتَّبَعْ كَانَ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرُوهُ.
الثَّالِثُ: أَنَّ السُّنَّةَ لَيْسَتْ رَافِعَةً لِلْقُرْآنِ وَإِنَّمَا هِيَ رَافِعَةٌ لِحُكْمِهِ، وَحُكْمُهُ لَيْسَ أَصْلًا لَهَا، فَإِذًا الْمُرْتَفِعُ لَيْسَ هُوَ الْأَصْلُ وَمَا هُوَ الْأَصْلُ غَيْرُ مُرْتَفِعٍ.
وَعَنِ الْمُعَارَضَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْقُرْآنَ وَإِنْ كَانَ مُعْجِزًا فِي نَظْمِهِ وَبَلَاغَتِهِ وَمَتْلُوًّا وَمُحْتَرَمًا فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ دَلَالَةَ كُلِّ آيَةٍ مِنْهُ أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ غَيْرِهِ مِنَ الْأَدِلَّةِ، وَلِهَذَا فَإِنَّهُ لَوْ تَعَارَضَ عَامٌّ مِنَ الْكِتَابِ وَخَاصٌّ مِنَ السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ كَانَتِ السُّنَّةُ مُقَدَّمَةً عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَوْ تَعَارَضَتْ آيَةٌ وَدَلِيلٌ عَقْلِيٌّ، فَإِنَّ الدَّلِيلَ الْعَقْلِيَّ يَكُونُ حَاكِمًا عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ الْإِجْمَاعُ وَكَثِيرٌ مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي التَّرْجِيحَاتِ.
وَعَلَى هَذَا فَلَا يَمْتَنِعُ رَفْعُ حُكْمِ الْآيَةِ بِدَلِيلِ السُّنَّةِ.
كَيْفَ وَإِنَّ السُّنَّةَ النَّاسِخَةَ لَيْسَتْ مُعَارِضَةً وَلَا نَافِيَةً لِمُقْتَضَى الْآيَةِ، بَلْ مُبَيِّنَةٌ وَمُخَصِّصَةٌ عَلَى مَا سَبَقَ. (١)
(١) انْظُرْ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْجَوَابِ الثَّالِثِ عَنِ الْمُعَارَضَةِ الْأُولَى مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ آخِرَ الْمَسْأَلَةِ التَّاسِعَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute