الثَّانِي: أَنَّ حُكْمَ الرَّجْمِ مِمَّا نَزَلَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَدَلَّتْ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ قَرَأَهَا الصَّحَابَةُ وَحَفِظُوهَا وَعَمِلَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيَاتَهُ وَالصَّحَابَةُ بَعْدَهُ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ فِي خُطْبَةٍ طَوِيلَةٍ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَكَانَ فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ - آيَةُ الرَّجْمِ، قَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا، فَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: مَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ. الْحَدِيثَ، إِلَّا أَنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ لَمْ تَذْكُرْ نَصَّ الْآيَةِ وَلَمْ تُعَيِّنْ مَوْضِعَهَا مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ، وَقَدْ ذَكَرَهَا النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ: " الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ " وَذَكَرَ النَّسَائِيُّ أَنَّهَا مِنْ سُورَةِ الْأَحْزَابِ.الثَّالِثُ: قَوْلُ عُمَرَ: وَلَوْلَا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ أَوْ يَتَكَلَّمَ مُتَكَلِّمٌ أَنَّ عُمَرَ زَادَ فِي كِتَابِ اللَّهِ؛ لَأَثْبَتُّهَا كَمَا نَزَلَتْ "، وَهَذِهِ الْمَقَالَةُ فِيهَا نَظَرٌ مِنْ جِهَتَيْنِ: الْأُولَى: أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ لِيَمْنَعُهُ قَوْلُ النَّاسِ أَوِ الْخَوْفُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنْ يَكْتُبَ فِي الْقُرْآنِ مَا هُوَ مِنْهُ فِي عَقِيدَتِهِ، وَقَدْ عُرِفَ بِالصَّرَاحَةِ فِي الْقَوْلِ وَالصَّلَابَةِ فِي الْحَقِّ، لَا يَخْشَى فِي ذَلِكَ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَلَوْ كَانَ مُعْتَذِرًا فِي ذَلِكَ لَاعْتَذَرَ بِمَا يُقَالُ مِنْ أَنَّهَا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهَا وَبَقِيَ حُكْمُهَا. الثَّانِيَةُ: أَنَّ فِي أَسَانِيدِ تِلْكَ الْمَقَالَةِ ضَعْفًا، فَفِي أَحَدِ أَسَانِيدِهَا عِنْدَ أَحْمَدَ - هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ السُّلَمِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَهُشَيْمٌ كَثِيرُ التَّدْلِيسِ، وَقَدْ عَنْعَنَ وَهُوَ لَيِّنٌ فِي الزُّهْرِيِّ، وَفِي سَنَدٍ آخَرَ عِنْدَهُ: هُشَيْمٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ. وَعَلَيٌّ ضَعِيفٌ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ رِيبَةٌ وَفَتْحٌ لِبَابِ الظِّنَّةِ فِي الصَّحَابَةِ وَالْقُرْآنِ، فَيَجِبُ أَنْ تُبْحَثَ وَتُحَقَّقَ كَمَا يَنْبَغِي وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute