للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَادَتِنَا، ثُمَّ نَذْكُرُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. (١) وَقَدِ احْتَجُّوا بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَالْمَعْقُولِ.

أَمَّا النَّصُّ: فَمِنْ جِهَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

أَمَّا الْكِتَابُ: فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} أَضَافَ التَّحْرِيمَ إِلَيْهِ فَدَلَّ عَلَى كَوْنِهِ مُفَوَّضًا إِلَيْهِ. وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمِنْ وُجُوهٍ:

مِنْهَا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ «لَمَّا قَالَ فِي مَكَّةَ: " لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا " قَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: إِلَّا الْإِذْخِرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (إِلَّا الْإِذْخِرَ) » . (٢) وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ إِلَّا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، لِعِلْمِنَا بِأَنَّ الْوَحْيَ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَلَوْلَا أَنَّ الْحُكْمَ مُفَوَّضٌ إِلَيْهِ لَمَا سَاغَ ذَلِكَ.

وَمِنْهَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» ". (٣) وَمِنْهَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ( «عَفَوْتُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ» ) . (٤) وَمِنْهَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ «لَمَّا قِيلَ لَهُ: أَحَجُّنَا هَذَا لِعَامِنَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَقَالَ: (بَلْ لِلْأَبَدِ، وَلَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَ» ) (٥) أَضَافَ الْوُجُوبَ وَالْعَفْوَ إِلَى أَمْرِهِ وَفِعْلِهِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إِلَى اخْتِيَارِهِ لَمَا جَازَ.


(١) قَارِنْ بَيْنَ اخْتِيَارِهِ هُنَا، وَاخْتِيَارِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَالثَّانِيَةِ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ، وَبَيْنَ مَا ذَكَرَ فِيهَا مِنَ الْأَدِلَّةِ وَمُنَاقَشَتِهَا لِتَعْرِفَ مَنْهَجَ الْآمِدِيِّ فِي اخْتِيَارِهِ وَاسْتِدْلَالِهِ وَنِقَاشِهِ.
(٢) تَقَدَّمَ ص ١٦٧ ج ٤.
(٣) رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
(٤) جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ بِلَفْظِ: قَدْ عَفَوْتُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ، فَهَاتُوا صَدَقَةَ الرِّقَّةِ. . إِلَخْ. وَفِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ " لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ ".
(٥) يُشِيرُ إِلَى مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ، حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ قَلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ أَنَّ السَّائِلَ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>