وإنما سأل ولاية خزائن الأرض، والإشراف على الأهراء التي يجمع فيها الغلات؛ ليدخر فيها من السنوات الطيبات للسنوات العجاف، التي أخبرهم بشأنها، ويتصرف بالأحوط والأصلح، والأرشد.
وقد أراد الله ليوسف -عليه السلام- ذلك، فمكّن له في مصر، ووضعه على خزائن الأرض ليكون مقصد الناس وقت الجدب، يطلبون منه، ويعطيهم، ويدعوهم إلى الله تعالى.
ولا يمكن تصور أن يوسف ترك أمر الدعوة؛ لأنه لم يتركها وهو في السجن, فكيف يتركها بعد أن صار متمكنا ذا سلطان وجاه؟
وفي قصة مؤمن آل فرعون -عليه السلام- ورد ذكر يوسف -عليه السلام- وبيان أنه دعا المصريين إلى عبادة الله وحده، وأظهر لهم المعجزات الدالة على صدقه، يقول الله تعالى:{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ} ١. فهم في زمن موسى -عليه السلام- كانوا يعرفون أن يوسف -عليه السلام- بعث فيهم، ودعاهم إلى الله، وجاءهم بالمعجزات، لكنهم لم يؤمنوا به.
إن القصة لم تتحدث بالتفصيل عن دعوة يوسف -عليه السلام- لأنها في السورة تتخذ مسارا آخر، لتحقيق غرض يفيد الدعوة والدعاة، وعساه عليه السلام كان يكتفي بالدعوة العملية، وبالإشارات الموحية في بعض الأحيان، وبالتوجيه الواضح حين يقتضيه المقام ... فمن الناحية العملية كان صاحب خلق، ودين، وحسن معاملة.
ومن ناحية الإشارات نقرأ ما ذكره للناس، مبينا إيمانه بالله الواحد الأحد.... ومن ناحية التوضيح رأينا ما فعله في السجن.
١ سورة غافر آية: ٣٤, يرى بعض المفسرين أن يوسف المذكور في الآية هو حفيد يوسف الصديق. "انظر تفسير أبي السعود ج٥ ص٩".