كانت هذه الوسائل تتبع في الفصل في الخصومات في الوقت الذي كانت أنوار الشريعة الإسلامية قد سطعت منذ خمسة قرون على البلاد الإسلامية، وأرسيت مبادئ العدل والحق والمساواة أمام القانون١.
هذا وسننتقل الآن إلى الكلام عن مسألة قوية الصلة بالدعوى, وهي هل يجوز في بعض الحالات استيفاء الحق بدون قضاء؟ سنبين فيما يأتي آراء العلماء، وما يستند إليه آراؤهم, ونرجح بمشيئة الله تعالى ما نراه أولى بالترجيح.
استيفاء الحق بدون قضاء:
قبل أن نبين آراء علمائنا -رضي الله تعالى عنهم- في هذه المسألة التي تعرف في الفقه الإسلامي بمسألة الظفر، نحب أن نوضح أن العلماء قد اتفقوا على أنه إذا كان من عليه الحق مقرا به باذلا له فلا يجوز لصاحب الحق أن يأخذ من ماله إلا المقدار الذي يعطيه، فإن أخذ من ماله شيئًا بغير إذنه لزمه أن يرده إليه حتى لو كان قدر حقه؛ لأنه لا يجوز أن يملك عينا من أعيان ماله من غير رضا منه لغير ضرورة, وإن كانت من جنس حقه؛ لأن الإنسان قد يكون له غرض في العين.
وكذلك اتفق العلماء على أنه إذا كان من عليه الحق مانعا له لوجود أمر يبيح له المنع، كالتأجيل في الدين، والإعسار، لم يجز لصاحب الحق أن يأخذ شيئًا من ماله، فإن أخذ شيئًا لزمه أن يرده إن كان لا يزال باقيا، فإن كان قد تلف لزمه أن يرد له عوضه.
١ من وسائل الإثبات في الشريعة وفي القانون، للدكتور أحمد عبد المنعم البهي، ص١٥، ١٦.