تحتبس فِي منافذ الرّوح على مَا يرَاهُ الفيلسوف الْأَكْبَر أرسطاطاليس وَيَرَاهُ أحد أَسبَاب الصرع وَإِذا كَانَ هُنَاكَ خلط سَاد فَإِن الدِّمَاغ مَعَ ذَلِك أَيْضا ينقبض لدفع المؤذي مثل مَا يعرض للمعدة من الفواق والتهوع وَمثل مَا يعرض من الاختلاج إِذْ كَانَ التقبّض والانعصار أصلا فِي دفع الْأَعْضَاء مَا تَدْفَعهُ وَإِذا تقبض الدِّمَاغ اخْتلفت حركاته وَتَبعهُ تقبض العصب فِي الْوَجْه وَغَيره وَاخْتِلَاف حركاته. وَأما الْإِفَاقَة فإمَّا أَن تقع لاندفاع الْخَلْط أَو لتحلل الرّيح أَو لاندفاع المؤذي وَأما التشنج النَّازِل إِلَى الْأَعْضَاء الَّذِي يصحب الصرع فسببه أَن الْمَادَّة الَّتِي تغشي الدِّمَاغ أَو الْأَذَى الَّذِي يلْحقهُ يلْحق العصب أَيْضا فَتكون حَالهَا حَاله وَذَلِكَ لعلل ثَلَاث اتباعها لجوهر الدِّمَاغ وتأذّيها بِمَا يتَأَذَّى بِهِ وامتلأوها من الْخَلْط المندفع إِلَيْهَا فِي مباديها لِيَزْدَادَ عرضُها وَينْقص طولُها وَإِنَّمَا كَانَ الصرع يجْرِي مجْرى التشنّج لَيْسَ مجْرى الاسترخاء فيفعل انقباضاً من الدِّمَاغ ويقصلها وَلَا يفعل استرخاء وانبساطاً لِأَن الدِّمَاغ يحاول فِي ذَلِك دفع شَيْء عَن نَفسه. وَالدَّفْع إِنَّمَا يَتَأَتَّى بالانقباض والانعصار وكل تشنج مادي فَإِنَّهُ ينْتَفع بالحمى والصرع تشنج مادي فَهُوَ ينْتَفع بالحمى والأورام إِذا ظَهرت بِهِ فَرُبمَا حلّته ونقصت مادته. وَكَثِيرًا مَا ينْتَقل المالنخوليا إِلَى الصرع وَكَثِيرًا مَا ينْتَقل الصرع إِلَى المالنخوليا. وَقد ظن بعض النَّاس أَنه قد يكون من الصرع مَا لَيْسَ عَن مَادَّة فَإِن عَنى بِهَذَا أَن السَّبَب فِيهِ بخاراً وَكَيْفِيَّة تضرّ بالدماغ فيفعل فِيهِ التقلص الْمَذْكُور فَلقَوْله معنى وَإِن عَنى أَن سَبَب ذَلِك هُوَ نفس المزاج الساذج إِذا كَانَ فِي الدِّمَاغ فيفعل الصرع فَذَلِك مَا لَا وَجه لَهُ لِأَن تِلْكَ الْكَيْفِيَّة إِذا كَانَت قد تكيف بهَا الدِّمَاغ وَجب أَن يكون الصرع ملازماً إِيَّاهَا وَلَا يكون مِمَّا يَزُول فِي الْحَال بل سَبَب الصرع هُوَ مِمَّا يكون دفْعَة وَيَزُول فِي الْحَال أَو يغلب فَيقْتل. وَمثل ذَلِك لَا يكون كَيْفيَّة حَاصِلَة فِي نفس الدِّمَاغ بل مَادَّة وَكَيْفِيَّة تتأدّى إِلَيْهِ وتنقطع وَذَلِكَ من عُضْو آخر لَا محَالة وَالَّذِي يعرض فِي الصرع لاضطراب حَرَكَة النَّفس لاختناقه وَذَلِكَ الِاضْطِرَاب لاضطراب التشنج ويعرض فِي السكتة للاختناق ولاستكراء التنفس فَكَانَ الصرع تشنج يخص أَولا الدِّمَاغ والتشنّج صرع يخص أَولا عضوا مَا وَكَأن حَرَكَة العطاس حَرَكَة صَرَع خَفِيف وَكَأن الصرع عطاس كَبِير قوي إِلَّا أَن أَكثر دَافع العطاس إِلَى جِهَة المقدّم لقوّة القوّة وَضعف الْمَادَّة وَدفع الصرع إِلَى أَي وَجه كَانَ أمكن وأسهل. وَيجب أَن يحصل مِمَّا قيل: إِن الصرع إِذا كَانَ فِي الدِّمَاغ نَفسه فالسبب فِيهِ مَادَّة لَا محَالة تفعل ريحًا محتبسة فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute