أما السَّبَب فِي أَن الْقَلِيل الْأَدْوِيَة خير من كثيرها فقد شرح فِي صدر الْكتاب الثَّانِي وَأما السَّبَب فِي أَن المجرّب خير فَهُوَ أَن كل دَوَاء مركب فَلهُ حكم من بسائطه وَحكم من جملَة صورته وَغير المجرّب إِنَّمَا يُفِيد من اعْتِبَار بسائطه فَقَط وَلَا نَدْرِي مَا يُوجِبهُ مزاجه الْكَائِن عَنْهَا هَل هُوَ زَائِد فِي مَعْنَاهَا أَو غير زَائِد وَهُوَ مُنَاقض والمجزب يكون قد تدقق مِنْهُ الْأَمْرَانِ ولربما كَانَت العائدة فِي صورته المزاجية أَكثر من المتوقّع من بسائطه. فصل فِي كَيْفيَّة التَّرْكِيب اعْلَم أَنه إِذا عرض لَك أَربع حوائج وَلم تَجِد لَهَا دَوَاء فِي الطَّبْع إِلَّا الْمَصْنُوع مثل أَن تحْتَاج إِلَى استفراغ السقمونيا وشحم الحنظل وَالصَّبْر والتربد فتريد أَن تجمع هَذِه ليَكُون ذَلِك دَوَاء جَامعا فَانْظُر فَإِن كَانَت الْحَاجة إِلَيْهَا وَإِلَى أَعمالهَا بِالسَّوِيَّةِ وَهِي أَرْبَعَة أدوية فَخذ من كل وَاحِد ربع شربة وَركب وَإِن لم تكن الْحَاجة إِلَيْهَا بِالسَّوِيَّةِ بل إِلَى بَعْضهَا أَكثر وَإِلَى بَعْضهَا أقل فاحدس الحدس الصناعي وَقدر مبلغ الْحَاجة وَاجعَل نِسْبَة الْحَاجة إِلَى الْحَاجة قانوناً فزد على تِلْكَ وَاعْلَم أَن الدَّوَاء المركّب المنجح كالترياق لَهُ بِحَسب بسائطه آثَار وقوى وبحسب صورته الَّتِي إِنَّمَا حمر مُدَّة لينجذب المزاج إِلَيْهَا آثَار وقوى وَرُبمَا كَانَت أفضل من البسائط فَلَا تلْتَفت إِلَى مَا تَقوله الْأَطِبَّاء أَن الترياق ينفع من كَذَا لأجل السنبل وينفع من كَذَا لأجل مر بل ينفع لذَلِك وَلَكِن الْعُمْدَة صورته وَقد جَاءَت بالِاتِّفَاقِ جليلة نافعة وَلَا يمكننا أَن نشِير إِلَيْهَا وَإِلَى مناسبتها لأفعالها إِشَارَة جليّة. وَاعْلَم أَن فِي المركبات أدوية هِيَ عَمُود وأصل إِذا حذفت بطلت الْقَاعِدَة مثل لحم الأفاعي فِي الترياق وَالصَّبْر فِي أيارج فيقرا والخِرْبَق فِي أيارج لوغاذيا وأدوية تصلح أَن تسْقط وَأَن تبدل وَأَن يُزَاد فِيهَا أَو ينقص وأدوية لَو زيدت لأضرت فَإِنَّهُ لَو وَقع فِي الترياق البلاذر لأفسد الْأَدْوِيَة وخصوصاً لحم الأفاعي وأدوية لَو زيدت لم تضر كَمَا أَنَّك لَو زِدْت فِي الترياق جوزبوا لم تكن أتيت بجريمة عَظِيمَة. وَاعْلَم أَن كثيرا من التَّرْكِيب يُؤَدِّي إِلَى الْمَفَاسِد وكثيرأ من التَّرْكِيب يُؤَدِّي إِلَى مزية أثر وَفعل وَأَن كثيرا من التَّرْكِيب يكون عَن مُفْرَدَات ومركبة كالترياق عَن أَفْرَاده وَعَن الأقراص الثَّلَاثَة فَإِن لكلِّ قرص بِسَبَب المزاج خاصية لَا تُوجد فِي الْمُفْردَات وَرُبمَا كَانَ الدَّوَاء مركبا من مركبات.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute