للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

عمر، حدثنا قبيصة، حدثنا سفيان، عن أيوب، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بشر هذه الأمة بالتيسير والسنا والرفعة في الدين، والتمكين في البلاد، والنصر، فمن عمل منهم عملا بعمل الآخرة للدنيا فليس له في الآخرة من نصيب".

قال الحليمي رحمه الله (١): فثبت بالقرآن والسنة أن كل عمل أمكن أن يراد به وجه الله إذا لم يعمل لمجرد التقرب به إليه وابتغاء رضوانه حبط، ولم يستوجب به ثوابًا إلا أن لذلك تفصيلا، وهو أن العمل إن كان من جملة الفرائض فمن أداه وأراد به الفرض غير أنه أداه بنية الفرض؛ ليقول (٢) الناس: إنه فعول لكذا، لا تطلبا لرضوان الله، واتقاء لسخطه، سقط عنه الفرض، ولم يؤاخذ به في الآخرة، ولم يعاقب بما يعاقب به التارك، ولكنه لا يستوجب به ثوابا، إنما ثوابه ثناء الناس عليه في الدنيا ومدحهم إياه بما فعل، وإن كان العمل من باب التطوع ففعله يريد به وجوه الناس دون وجه الله تعالى جده، فإن أجره يحبط ولا يحصل من عمله على شيء يكون له، كما حصل الأول على سقوط الفرض عنه، ثم معاقبتهما على أنهما عملا لا لوجه الله تعالى، وباعا ثواب الله بمحمدة الناس.

يحتمل وجهين أحدهما: أن يقال إن الذي جاء به الحديث من قول الله عز وجلّ: "فقد قيل ذلك اذهبوا به إلى النار" إخبار بأن المرائي يعاقب على عدوله عن قصد وجه الله إلى قصد وجه الناس ومعنى هذا: أنه استخف حق الله، واستهان نعمته، فلم يجز أن يقصر ذلك عن ذنب غيره، والذنوب كلها موجبة للعقاب، فكذلك هذا قلت: إلا أن يعفو الله.

والوجه الآخر: أنه لا يعاقب ولا يثاب ومعنى الحديث: أن هذه الأعمال التي راءى بها لا تنفعه، فيثقل بها ميزانه، ويرجح بها كفة الطاعات كفة المعاصي، إلا أنه يعاقب على الرياء بالنار، إنما عقوبة الرياء إحباط العمل فقط؛ ووجه هذا أنه عمل ما عمل؛ عبادة لله عز وجلّ إلا أنه أراد بعمله حمد الناس، فإذا أحيل عليهم فقد جوزي


(١) راجع "المنهاج" (٣/ ١١٤ - ١١٥).
(٢) في نسخة "ل" "ليقولوا" وهو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>