المتقدم كما في المثال المعروض ونظائره -وما أكثرها- فيوجد من يعرب كلمة؛ "عاقل" مبتدأ، والجملة الفعلية بعده خبره، ومن يعربها فاعلًا مقدمًا للفعل بعده. وعلى الإعراب الأول تكون الجملة اسمية، وقد سبق ما فيها من عيب، إما على الإعراب الثاني فالجملة فعلية؛ ودلالتها مختلفة عن سابقتها، فشتان بين مدلولي الجملتين في لغتنا، هذا إلى مشكلات أخرى تتعلق بوجود فاعل مذكور - أحيانًا- بعد الفعل المتأخر، كالتاء في قول الشاعر:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
فهل يمكن إعراب الضمير "أنت" في كل شطر فاعلًا مع وجود التاء بعده، ومشكلات تتعلق بالضمائر: المستترة المتصلة بالفعل المتأخر، كموقع الضمير "أنت" في مثل قول الشاعر:
إذا أنت لم تشرب مرارًا على القذى ... ظمئت، وأي الناس تصفو مشاربه
فما إعراب "أنت"؟ أتكون فاعلًا مقدمًا للفعل "تشرب" مع أن فاعله ضمير مستتر وجوبًا، لا يجوز إظهاره؟ أم تكون توكيدًا متقدمًا لذلك الفاعل المستتر مع أن التوكيد لا يصح تقديمه على المؤكد؟ إلى غير هذا من مشكلات تتصل بالضمائر - وسواها - كمشكلة الفاعل المتقدم في مثل:"محمد" قام، بإعراب "محمد" فاعلًا عند من يجيزونه، فما إعرابه إن سبقه ناسخ مثل: كان محمد قام؟ أين الفاعل؟ وأين اسم الناسخ؟ وكذلك مشكلة عودة الضمائر، ومطابقتها للفاعل المتقدم أو عدم مطابقتها، واعتبارها حروفًا أو أسماء مهملة حينًا وغير مهملة حينًا آخر بغير ضابط سليم يعتمد عليه في كل ذلك.
ج- فلم يبق إلا اختيار الإعراب الثالث القائم على تقدير فعل محذوف، "تحقيقًا لما اشترطه جمهور النحاة من دخول أداة الشرط على فعل ظاهر، أو مقدر ومنع دخولها على الاسم واعتباره أفضلها، وأن العيب فيه أخف وأيسر، كما قلنا، ولن يترتب على هذا "التقدير" خلط بين المعاني والمدلولات اللغوية، ولا تداخل بين القواعد النحوية، على أن "التقدير" باب واسع وأصيل في لغتنا، ولكنه محكم، وسائغ ممن يحسن استخدامه - عند مسيس الحاجة الشديدة - على النط الوارد الفصيح الذي يحتج به، والذي لا يؤدي إلى خلط أو اضطراب.