للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

في الجواب: المرة الواحدة كافية في تعريف المأمور أن المأمور به مراد منه، فالزيدة على المرة الواحدة إن دلت على ما دلت عليه المرة الواحدة لا غير كان ذلك تطويلا لا فائدة فيه، وهو ينافي إعجاز القرآن وفصاحته، وإن دلت على أمر زائد فتلك الزيادة ليست إلا لحث على المبادرة إلى الامتثال، وإلا فليبين الخصم معنى هذه الزيادة، ولا سبيل إلى ذلك١.

أقول: إنه قد قال قبل هذا الموضع بأسطر إن قوله تعالى: {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أن هذه الألفاظ كلها بمعنى واحد، وإنما كررها للزيادة في تحسين عفو الوالد عن ولده والزوج عن زوجته.

وكذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّه} وزعم أن ذلك من باب البلاغة.

فإذا كان هذا قوله فما المانع من أن يكون المراد بالمرة الثانية والثالثة في الأمر زيادة التكرير في نفس المأمور، وأن المأمور به مراد منه؟ فإن هذا غرض صحيح، لأنه لو قال له اعلم أن هذا الشيء مما أريده منك، وكرر هذا مرتين أو مرارا لم يكن قبيحا، إذا قصد تأكيد تلك الحال وتقريرها في نفس المخاطب فلم يذهب إلى أن المرة الثانية أفادت عين ما أفادته المرة الأولى من غير زيادة، بل أفادت زيادة بينة، وهي قوة اعتقاد المخاطب أن ذلك الشيء المأمور به مراد لا محال، ما أفاد قوله: {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا}


١ المثل السائر: ٣/ ٣١.

<<  <   >  >>