أنه ليس العلم كالعلم، ولا القوة كالقوة، ونظائر هذا كثيرة، وهذا لازم لجميع العقلاء، فإن من نفى صفة من صفاته التي وصف الله بها نفسه، كالرضى والغضب، والحب والبغض، ونحو ذلك، ورغم أن ذلك يستلزم التشبيه والتجسيم! قيل له: فأنت تثبت له الإرادة والكلام والسمع والبصر، مع أن ما تثبته له ليس مثل صفات المخلوقين، فقل فيما نفيته وأثبته الله ورسوله مثل قولك فيما أثبته، إذ لا فرق بينهما.
فإن قال: أنا لا أثبت شيئا من الصفات! قيل له: فأنت تثبت له الأسماء الحسنى، مثل: عليم، حي، قادر. والعبد يسمى بهذه الأسماء، وليس ما يثبت للرب من هذه الأسماء مماثلا لما يثبت للعبد فقل في صفاته نظير قولك في مسمى أسمائه.
فإن قال: وأنا لا أثبت له الأسماء الحسنى، بل أقول. هي مجاز، وهي أسماء لبعض مبتدعاته، كقول غلاة الباطنية والمتفلسفة!
قيل له: فلا بد أن تعتقد أنه موجود وحق (١) قائم بنفسه، والجسم موجود قائم بنفسه، وليس هو مماثلا له.
فإن قال: أنا لا أثبت شيئا، بل أنكر وجود الواجب.
قيل له: معلوم بصريح العقل أن الموجود إما واجب بنفسه، وإما غير واجب بنفسه، وإما قديم أزلي، وإما حادث كائن بعد أن لم يكن، وإما مخلوق مفتقر إلى خالق، وإما غير مخلوق ولا مفتقر إلى خالق، وإما فقير إلى ما سواه، وإما غني عما سواه، وغير الواجب بنفسه لا يكون إلا بالواجب بنفسه، والحادث لا يكون إلا بقديم، والمخلوق لا يكون إلا بخالق، والفقير لا يكون إلا بغني عنه، فقد لزم على تقدير النقيضين وجود موجود واجب بنفسه قديم أزلي خالق [غني] عما سواه، وما سواه بخلاف ذلك، وقد علم بالحس والضرورة وجود موجود حادث كائن بعد أن لم يكن، والحادث لا يكون واجباً بنفسه، ولا قديما أزليا، ولا خالقا لما سواه، ولا غنيا عما سواه، فثبت بالضرورة وجود موجودين: أحدهما واجب، والآخر ممكن،