عُجَابٌ﴾ [سورة ص: ٥]. لكنهم ما كانوا يقولون: أن معه إلها ﴿جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا﴾ [سورة النمل: ٦١]، بل هم مقرون بأن الله وحده فعل هذا، وهكذا سائر الآيات. وكذلك قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [سورة البقرة: ٢١]، وكذلك قوله في سورة الأنعام: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ﴾ [سورة الأنعام: ٤٦]، وأمثال ذلك.
وإذا كان توحيد الربوبية، الذي يجعله هؤلاء النظار، ومن وافقهم من الصوفية هو الغاية في التوحيد: داخلا في التوحيد الذي جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب، فليعلم أن دلائله متعددة، كدلائل إثبات الصانع ودلائل صدق الرسول، فإن العلم كلما كان الناس إليه أحوج كانت أدلته أظهر، رحمة من الله بخلقه.
والقرآن قد ضرب الله للناس فيه من كل مثل، وهي المقاييس العقلية المفيدة للمطالب الدينية، لكن القرآن يبين الحق في الحكم والدليل، فماذا بعد الحق إلا الضلال؟ وما كان من المقدمات معلومة ضرورية متفقا عليها، استدل بها، ولم يحتج إلى الاستدلال عليها.
والطريقة الصحيحة في البيان أن تحذف، وهي طريقة [القرآن، بخلاف ما يدعيه الجهال، الذين يظنون أن القرآن ليس فيه طريقة] برهانية، بخلاف ما قد يشتبه ويقع فيه نزاع، فإنه يبينه ويدل عليه.
ولما كان الشرك في الربوبية معلوم الامتناع عند الناس كلهم، باعتبار إثبات خالقين متماثلين في الصفات والأفعال، وإنما ذهب بعض المشركين إلى أن ثم خالقا خلق بعض العالم، كما يقوله الثنوية في الظلمة، وكما يقوله القدرية في أفعال الحيوان، وكما يقوله الفلاسفه الدهرية في حركة الأفلاك أو حركات النفوس، أو الأجسام الطبيعية، فإن هؤلاء يثبتون أمورا محدثة بدون إحداث الله إياها، فهم مشركون في بعض الربوبية، وكثير من مشركي العرب وغيرهم قد يظن في آلهته شيئا من نفع أو ضر، بدون أن يخلق الله ذلك.