للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ش: الإشارة بقوله: "فهذا" كُلِّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَوَّلِ الْكِتَابِ إِلَى هُنَا.

وَالْمُشَبِّهَةُ: هُمُ الَّذِينَ شَبَّهُوا اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِالْخَلْقِ فِي صِفَاتِهِ، وَقَوْلُهُمْ عَكْسُ قَوْلِ النَّصَارَى، شَبَّهُوا الْمَخْلُوقَ -وَهُوَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِالْخَالِقِ وَجَعَلُوهُ إِلَهًا، وَهَؤُلَاءِ شَبَّهُوا الْخَالِقَ بِالْمَخْلُوقِ، كَدَاوُدَ الْجَوَارِبِيِّ وَأَشْبَاهِهِ.

وَالْمُعْتَزِلَةُ: هُمْ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَوَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ الْغَزَّالُ وَأَصْحَابُهُمَا، سُمُّوا بِذَلِكَ لَمَّا اعْتَزَلُوا الْجَمَاعَةَ بَعْدَ مَوْتِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي أَوَائِلِ الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ، وَكَانُوا يَجْلِسُونَ مُعْتَزِلِينَ، فَيَقُولُ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ: أُولَئِكَ الْمُعْتَزِلَةُ، وَقِيلَ: إِنَّ وَاصِلَ بْنَ عَطَاءٍ هُوَ الَّذِي وَضَعَ أُصُولَ مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَتَابَعَهُ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ تِلْمِيذُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ هَارُونَ الرَّشِيدِ صَنَّفَ لَهُمْ أَبُو الْهُذَيْلِ كِتَابَيْنِ، وَبَيَّنَ مَذْهَبَهُمْ، وَبَنَى مَذْهَبَهُمْ عَلَى الْأُصُولِ الْخَمْسَةِ، الَّتِي سَمَّوْهَا: الْعَدْلَ، وَالتَّوْحِيدَ، وَإِنْفَاذَ الْوَعِيدِ، وَالْمَنْزِلَةَ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ، وَالْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ! وَلَبَّسُوا فِيهَا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ، إِذْ شَأْنُ الْبِدَعِ هَذَا، اشْتِمَالُهَا عَلَى حَقٍّ وَبَاطِلٍ, وَهُمْ مُشَبِّهَةُ الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّهُمْ قَاسُوا أَفْعَالَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَفْعَالِ عِبَادِهِ، وَجَعَلُوا مَا يَحْسُنُ مِنَ الْعِبَادِ يَحْسُنُ مِنْهُ، وَمَا يَقْبُحُ مِنَ الْعِبَادِ يَقْبُحُ مِنْهُ! وَقَالُوا: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا، وَلَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا، بِمُقْتَضَى ذَلِكَ الْقِيَاسِ الْفَاسِدِ!! فَإِنَّ السَّيِّدَ مِنْ بَنِي آدَمَ لَوْ رَأَى عَبِيدَهُ تَزْنِي بِإِمَائِهِ وَلَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ لَعُدَّ إِمَّا مُسْتَحْسِنًا لِلْقَبِيحِ، وَإِمَّا عَاجِزًا، فَكَيْفَ يَصِحُّ قِيَاسُ أَفْعَالِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى أَفْعَالِ عِبَادِهِ؟! وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ, فَأَمَّا الْعَدْلُ، فَسَتَرُوا تَحْتَهُ نَفْيَ الْقَدَرِ، وَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْلُقُ الشَّرَّ وَلَا يَقْضِي بِهِ، إِذْ لَوْ خَلَقَهُ ثُمَّ يُعَذِّبُهُمْ عَلَيْهِ يَكُونُ ذَلِكَ جَوْرًا!! والله تعالى عادل لا يجور. ويلزم عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الْفَاسِدِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يكون في ملكه ما لا يزيده، فَيُرِيدُ الشَّيْءَ وَلَا يَكُونُ، وَلَازِمُهُ وَصْفُهُ بِالْعَجْزِ! تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ, وَأَمَّا التَّوْحِيدُ فَسَتَرُوا تحت الْقَوْلَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، إِذْ لَوْ كَانَ غَيْرَ مَخْلُوقٍ لَزِمَ تَعَدُّدُ الْقُدَمَاءِ!! وَيَلْزَمُهُمْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْفَاسِدِ أَنَّ عِلْمَهُ وَقُدْرَتَهُ وَسَائِرَ صِفَاتِهِ مَخْلُوقَةٌ، أَوِ التَّنَاقُضُ! وَأَمَّا الْوَعِيدُ، فَقَالُوا: إِذَا أَوْعَدَ بَعْضَ عَبِيدِهِ وَعِيدًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ وَيُخْلِفَ وَعِيدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، فَلَا يَعْفُو عَمَّنْ يَشَاءُ، وَلَا يَغْفِرُ لِمَنْ يُرِيدُ، عِنْدَهُمْ!! وَأَمَّا الْمَنْزِلَةُ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ، فَعِنْدَهُمْ أَنَّ مَنِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً يَخْرُجُ

<<  <   >  >>