للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

له: أصلح مزاجي!! لأن هذه عندهم مؤثرة طبعا لا اختيارا، فشرع الدعاء وصلاة الاستسقاء ليبين كذب أهل الطبائع.

وذهب قوم من المتفلسفة وغالية المتصوفة [إلى] (١) أن الدعاء لا فائدة فيه! قالوا: لأن المشيئة الإلهية إن اقتضت وجود المطلوب فلا حاجة إلى الدعاء، وإن لم تقتضه فلا فائدة في الدعاء!! وقد يخص بعضهم بذلك خواص العارفين! ويجعل الدعاء علة في مقام الخواص!! وهذا من غلطات بعض الشيوخ، فكما أنه معلوم الفساد بالاضطرار من دين الإسلام، فهو معلوم الفساد بالضرورة العقلية، فإن منفعة الدعاء أمر أنشئت (٢) عليه تجارب الأمم، حتى إن الفلاسفة تقول: ضجيج الأصوات في هياكل العبادات، بفنون اللغات، يحلل ما عقدته الأفلاك المؤثرات!! هذا وهم مشركون.

وجواب الشبهة يمنع المقدمتين (١): فإن قولهم عن المشيئة الإلهية: إما أن تقتضيه أولا، [فـ] ثَمَّ قسم ثالث، وهو: أن تقتضيه بشرط لا تقتضيه مع عدمه، وقد يكون الدعاء من شرطه، كما توجب الثواب مع العمل الصالح، ولا توجبه مع عدمه، وكما توجب الشبع والري عند الأكل والشرب، ولا توجبه مع عدمهما، وحصول الولد بالوطء، والزرع بالبذر، فإذا قدر وقوع المدعو به بالدعاء لم يصح أن يقال لا فائدة في الدعاء، كما [لا] يقال لا فائدة في الأكل والشرب والبذر وسائر الأسباب، فقول هؤلاء، كما أنه مخالف للشرع، فهو مخالف للحس والفطرة.

ومما ينبغي أن يعلم، ما قاله طائفة من العلماء، وهو: أن الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد! ومحو الأسباب أن تكون أسبابًا نقصٌ في العقل، والإعراض عن الأسباب كالكلية قدح في الشرع، ومعنى التوكل والرجاء، يتألف من وجوب التوحيد والعقل والشرع.

وبيان ذلك: أن الالتفات إلى السبب هو اعتماد القلب عليه ورجاؤه والاستناد إليه، وليس في المخلوقات ما يستحق هذا؛ لأنه ليس بمستقل، ولا بد له من شركاء وأضداد مع هذا كله، فإن لم يسخره مسبب الأسباب لم يسخر.


(١) كذا الأصل، ولعل الصواب يمنع الحصر في المقدمتين، كما يدل عليه السياق.
(٢) في الأصل: متفق.

<<  <   >  >>