للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا﴾ [الكهف: ١٧]. وسيأتي لهذه المسألة زيادة بيان، إن شاء الله تعالى.

وأيضا فقول القائل: يرجح بلا مرجح، إن كان لقوله: يرجح، معنى زائد على الفعل، فذاك هو السبب المرجح، وإن لم يكن له معنى زائد كان حال الفاعل قبل وجود الفعل كحاله عند الفعل، ثم الفعل حصل في إحدى الحالتين دون الأخرى بلا مرجح! وهذا مكابرة للعقل!! فلما كان أصل قول القدرية أن فاعل الطاعات وتاركها كلاهما في الإعانة والإقدار سواء، امتنع على أصلهم أن يكون مع الفعل قدرة تخصه؛ لأن القدرة التي تخص الفعل لا تكون للتارك، وإنما تكون للفاعل، ولا تكون القدرة إلا من الله تعالى، وهم لما رأوا أن القدرة لا بد أن تكون قبل الفعل، قالوا: لا تكون مع الفعل، لأن القدرة هي التي يكون بها الفعل والترك، وحال وجود الفعل يمتنع الترك، فلهذا قالوا: القدرة لا تكون إلا قبل الفعل! وهذا باطل مطلقا، فإن وجود الأمر مع عدم بعض شروطه الوجودية ممتنع، بل لا بد أن يكون جميع ما يتوقف عليه الفعل من الأمور الوجودية موجودا عند الفعل. فنقيض قولهم حق، وهو: أن الفعل لا بد أن يكون معه قدرة.

لكن صار أهل الإثبات هنا حزبين: حزب قالوا: لا تكون القدرة إلا معه، ظنا منهم أن القدرة نوع واحد لا يصلح للضدين، وظنا من بعضهم أن القدرة عرض، فلا تبقى زمانين، فيمتنع وجودها قبل الفعل. والصواب: أن القدرة نوعان كما تقدم: نوع مصحح للفعل، يمكن معه الفعل والترك، وهذه هي التي يتعلق بها الأمر والنهي، وهذه تحصل للمطيع والعاصي، وتكون قبل الفعل، وهذه تبقى إلى حين الفعل، إما بنفسها عند من يقول ببقاء الأعراض، وإما بتجدد أمثالها عند من يقول: إن الأعراض لا تبقى زمانين، وهذه قد تصلح للضدين، وأمر الله مشروط بهذه الطاقة، فلا يكلف الله من ليس معه هذه الطاقة، وضد هذه العجز، كما تقدم. وأيضا: فالاستطاعة المشروطة في الشرع أخص من الاستطاعة التي يمتنع الفعل مع عدمها، فإن الاستطاعة الشرعية قد تكون ما يتصور الفعل مع عدمها وإن لم يعجز عنه، فالشارع ييسر على عباده، ويريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر، وما جعل عليكم في الدين من حرج، والمريض قد يستطيع القيام مع زيادة

<<  <   >  >>