للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لكن إذا من على الإنسان بالإيمان [والعمل] الصالح، فلا (١) يمنعه موجب ذلك أصلا، بل يعطيه من الثواب والقرب ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وحيث منعه ذلك فلانتفاء سببه، وهو العمل الصالح، ولا ريب أنه يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، لكن ذلك كله حكمة منه وعدل، فمنعه للأسباب التي هي الأعمال الصالحة من حكمته وعدله، وأما المسببات بعد وجود أسبابها، فلا يمنعها بحال، إذا لم تكن أسبابا غير صالحة، إما لفساد في العمل، وإما لسبب يعارض موجبه ومقتضاه، فيكون ذلك لعدم المقتضي، أو لوجود المانع. وإذا كان منعه وعقوبته من عدم الإيمان والعمل الصالح، وهو لم يعط ذلك "ابتلاء" وابتداء "إلا" حكمة منه وعدلا، فله الحمد في الحالين، وهو المحمود على كل حال، كل عطاء منه فضل، وكل عقوبة منه عدل، فإن الله تعالى حكيم يضع الأشياء في مواضعها التي تصلح لها، كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام: ١٢٤]. وكما قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾ [الأنعام: ٥٣]، ونحو ذلك. وسيأتي "لذلك" زيادة، إن شاء الله تعالى.

قوله: "والاستطاعة التي يجب بها الفعل، من نحو التوفيق الذي لا [يجوز أن] يوصف المخلوق به [تكون] مع الفعل، وأما الاستطاعة من جهة الصحة والوسع، والتمكن (٢) وسلامة الآلات، فهي قبل الفعل، وبما يتعلق الخطاب، وهو كما قال تعالى ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦].

ش: الاستطاعة والطاقة والقدرة والوسع، ألفاظ متقاربة، وتنقسم الاستطاعة إلى قسمين، كما ذكره الشيخ ، وهو قول عامة أهل السنة، وهو الوسط. وقالت القدرية والمعتزلة: لا تكون القدرة إلا قبل الفعل، وقابلهم طائفة من أهل السنة [فقالوا لا تكون إلا مع الفعل.


(١) في الأصل: لا.
(٢) في الأصل: والتمكين.

<<  <   >  >>