للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خلودهم في مشيئة الله، لأنهم يخرجون (١) عن مشيئته، ولا ينافي ذلك عزيمته وجزمه لهم بالخلود (٢)، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا﴾ [الإسراء: ٨٦]، وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ﴾ [الشورى: ٢٤]، وقوله: ﴿قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ﴾ [يونس: ١٦]، ونظائره كثيرة، يخبر عباده سبحانه أن الأمور كلها بمشيئته، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن. وقيل: إن "ما" بمعنى "من" أي: إلا من شاء الله دخوله النار بذنوبه من السعداء (٣). وقيل غير ذلك. وعلى كل تقدير، فهذا الاستثناء من المتشابه، وقوله: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ [هود: ١٠٨]، محكم. وكذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ﴾ [ص: ٥٤]. وقوله: ﴿أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا﴾ [الرعد: ٣٥] (٤). وقوله: ﴿وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ﴾ [الحجر: ٤٨]. وقد أكد الله خلود أهل الجنة بالتأبيد في عدة مواضع من القرآن، وأخبر أنهم: ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى﴾ [الدخان: ٥٦]، وهذا الاستثناء منقطع، وإذا ضممته إلى الإستثناء في قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّ﴾ [هود: ١٠٨] تبين أن المراد من الآيتين استثناء الوقت الذي لم يكونوا فيه في الجنة من مدة الخلود، كاستثناء الموتة الأولى من جملة الموت، فهذه موتة تقدمت على حياتهم الأبدية، وذلك مفارقة للجنة تقدمت على خلودهم فيها.

والأدلة من السنة على أبدية الجنة ودوامها كثيره: كقوله : "من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس ويخلد ولا يموت" (٥). وقوله: "ينادي مناد: يا أهل الجنة، إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وأن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وأن تحيوا


(١) في الأصل: لا أنهم يخرجون. الجنة الصواب فليراجع "رفع الأستار".
(٢) قال عفيفي: انظر "مجموع الفتاوى" ص ٤٨ ج ٢.
(٣) في الأصل: الشعراء.
(٤) قال عفيفي: انظر ص ٢٥١ من "حادي الأرواح".
(٥) مسلم، وهو مخرج في "الصحيحة" "١٠٨٦".

<<  <   >  >>