للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السلف (١) في تعريف الصغائر: منهم من قال: الصغيرة ما دون الحدين: حد الدنيا وحد الآخرة. ومنهم من قال: كل ذنب لم يختم بلعنة أو غضب أو نار. ومنهم من قال: الصغيرة ما ليس فيها حد في الدنيا ولا وعيد في الآخرة، والمراد بالوعيد: الوعيد الخاص بالنار أو اللعنة أو الغضب، فإن الوعيد الخاص في الآخرة كالعقوبة الخاصة في الدنيا، أعني المقدرة، فالتعزير في الدنيا نظير الوعيد بغير النار أو اللعنة أو الغضب. وهذا الضابط يسلم من القوادح الواردة على غيره، فإنه يدخل فيه كل ما ثبت بالنص أنه كبيرة، كالشرك، والقتل، والزنا، والسحر، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، ونحو ذلك، كالفرار من الزحف، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، وعقوق الوالدين، واليمين الغموس، وشهادة الزور، وأمثال ذلك.

وترجيح هذا القول من وجوه: أحدها: أنه هو المأثور عن السلف، كابن عباس، وابن عيينة، وابن حنبل ، وغيرهم. الثاني: أن الله تعالى قال: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلا كَرِيمًا﴾ [النساء: ٣١]. فلا يستحق هذا الوعد الكريم من أوعد بغضب الله ولعنته وناره، وكذلك من استحق أن يقام عليه الحد لم تكن سيئاته مكفرة عنه باجتناب الكبائر. الثالث: أن هذا الضابط مرجعه إلى ما ذكره الله ورسوله من الذنوب، فهو حد متلقى من خطاب الشارع. الرابع: أن هذا الضابط يمكن الفرق به بين الكبائر والصغائر، بخلاف تلك الأقوال (٢)، فإن من قال: سبعة، أو سبعة عشرة، أو إلى السبعين أقرب مجرد دعوى. ومن قال: ما اتفقت الشرائع على تحريمه دون ما اختلفت فيه يقتضي أن شرب الخمر، والفرار من الزحف، والتزوج ببعض المحارم (٣)، والمحرم بالرضاعة والصهرية، ونحو ذلك، ليس من الكبائر! وأن


(١) في الأصل: عبارة قائلية.
(٢) قال عفيفي: انظر ص ٢٨٠ وما بعدها من ج ٣ من "مجموع الفتاوى".
(٣) قال عفيفي: انظر ص ٣١٦ وما بعدها من "مدارج السالكين" لابن القيم وص ٤٩٤ إلى ٤٩٧ من "مختصر الفتاوى" و ٦٥٠ ج ١١ من "مجموع الفتاوى".

<<  <   >  >>