فيه! وقيل: لتدخلن جميعكم أو بعضكم؛ لأنه علم أن بعضهم يموت! وفي كلا الجوابين نظر: فإنهم وقعوا فيما فروا منه، فأما الأمن والخوف فقد أخبر أنهم يدخلون آمنين، مع علمه بذلك، فلا شك في الدخول، ولا في الأمن، ولا في دخول الجميع أو البعض، فإن الله قد علم من يدخل فلا شك فيه أيضا، فكان قول: إن شاء الله هنا تحقيقا للدخول، كما يقول الرجل فيما عزم على شيء أن يفعله لا محالة: والله لأفعلن كذا إن شاء الله، لا يقولها لشك في إرادته وعزمه، ولكن إنما لا يحنث الحالف في مثل هذه اليمين لأنه لا يجزم بحصول مراده، وأجيب بجواب آخر لا بأس به، وهو: أنه قال [ذلك] تعليما لنا كيف نستثني إذا أخبرنا عن مستقبل (١). وفي كون هذا المعنى مرادا من النص، نظر فإنه ما سيق الكلام إلا أن يكون مرادا من إشارة النص. وأجاب الزمخشري بجوابين آخرين باطلين، وهما: أن يكون الملك قد قاله، فأثبت قرآنا! أو أن الرسول قاله!! فعند هذا المسكين يكون من القرآن ما هو غير كلام الله! فيدخل في وعيد من قال: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾ [المدثر: ٢٥]. نسأل الله العافية.
وأما من يجوز الاستثناء وتركه، فهم أسعد بالدليل من الفريقين، وخير الأمور أوسطها: فإن أراد المستثني الشك في أصل إيمانه منه من الاستثناء، وهذا مما لا خلاف فيه، وإن أراد أنه مؤمن من المؤمنين الذين وصفهم الله في قوله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الأنفال ٢ - ٤]، وفي قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [الحجرات: ١٥]. فالاستثناء حينئذ جائز، وكذلك من استثنى وأراد عدم علمه بالعاقبة، وكذلك من استثنى تعليقا للأمر بمشيئة الله، لا شكا في إيمانه، وهذا القول في القوة كما ترى.
(١) قال عفيفي: انظر ص ٤٢٩ - ٤٦٠ من "مجموع الفتاوى" والصفحة ٣٣٦ - ٣٩٣ من كتاب "الإيمان" طبع المكتب الإسلامي.