للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أسلمت وبك آمنت" (١). وفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، والإيمان بالإيمان بالأصول الخمسة، فليس لنا إذا جمعنا بينهم أن نجيب بغير ما أجاب النبي ، وأما إذا أفرد اسم الإيمان فإنه يتضمن الإسلام، وإذا أفرد الإسلام فقد يكون مع الإسلام مؤمنا بلا نزاع، وهذا هو الواجب، وهل يكون مسلما ولا يقال له مؤمن؟ وقد تقدم الكلام فيه.

وكذلك هل يستلزم الإسلام الإيمان؟ فيه النزاع المذكور، وإنما وعد الله بالجنة في القرآن وبالنجاة من النار باسم الإيمان، كما قال تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [يونس: (٦٢)، ٦٣]. وقال تعالى: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾ [الحديد: ٢١] وأما اسم الإسلام مجردا فما علق به في القرآن دخول الجنة، لكنه فرضه وأخبر أنه دينه الذي لا يقبل من أحد سواه، وبه بعث النبيين، ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ [آل عمران: ٨٥].

فالحاصل أن حالة اقتران الإسلام بالإيمان غير حالة إفراد أحدهما عن الآخر، فمثل الإسلام من الإيمان، كمثل الشهادتين إحداهما من الأخرى، فشهادة الرسالة غير شهاده الوحدانية، فهما شيئان في الأعيان وإحداهما مرتبطة بالأخرى في المعنى والحكم، كشيء واحد، كذلك الإسلام والإيمان، لا إيمان لمن لا إسلام له، ولا إسلام لمن لا إيمان [له]، إذ لا يخل المؤمن من إسلام به يتحقق إيمانه، ولا يخلو المسلم من إيمان به يصح إسلامه، ونظائر ذلك في كلام الله ورسوله وفي كلام الناس كثيرة، أعني في الإفراد والاقتران، منها: لفظ الكفر والنفاق، فالكفر إذا ذكر مفردا في وعيد الآخرة دخل فيه المنافقون، كقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [المائدة: ٥]. ونظائره كثيرة. وإذا قرن بينهما كان الكافر من أظهر كفره، والمنافق من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه. وكذلك لفظ البر والتقوى، ولفظ الإثم والعدوان، ولفظ التوبة والاستغفار، ولفظ الفقير والمسكين، وأمثال ذلك.


(١) متفق عليه من حديث ابن عباس، وهو طرف من دعاء النبي في استفتاح صلاة الليل. انظر "صفة الصلاة".

<<  <   >  >>