للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يصدق ذلك ويكذبه" (١). وقال الحسن البصري : ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكنه ما وقر في الصدور وصدقته الأعمال، ولو كان تصديقا فهو تصديق مخصوص، كما في الصلاة ونحوها كما قد تقدم، وليس هذا نقلا للفظ ولا تغييرا له، فإن الله لم يأمرنا بإيمان مطلق، بل بإيمان خاص، وصفه وبينه. فالتصديق الذي هو الإيمان، أدنى أحواله أن يكون نوعا من التصديق العام، فلا يكون مطابقا له في العموم والخصوص، من غير تغير اللسان ولا قلبه، بل يكون الإيمان في كلام الشارع مؤلفا من العام والخاص، كالإنسان الموصوف بأنه حيوان ناطق؛ ولأن التصديق التام القائم بالقلب مستلزم لما وجب من أعمال القلب والجوارح، فإن هذه من لوازم الإيمان التام، وانتفاء اللازم دليل على انتفاء الملزوم، ونقول: إن هذه لوازم تدخل في مسمى اللفظ تارة، وتخرج عنه أخرى، أو إن اللفظ باق على معناه في اللغة، ولكن الشارع زاد فيه أحكاما، أو أن يكون الشارع استعمله في معناه المجازي، فهو حقيقة شرعية، مجاز لغوي، أو أن يكون قد نقله الشارع (٢). وهذه الأقوال لمن سلك هذا الطريق.

وقالوا: إن الرسول قد وافقنا على معاني الإيمان، وعلمنا من مراده علما ضروريا أن من قيل إنه صدق ولم يتكلم بلسانه بالإيمان، مع قدرته على ذلك، ولا صلى، ولا صام، ولا أحب الله ورسوله، ولا خاف الله بل كان مبغضا للرسول، معاديا له يقاتله: أن هذا ليس بمؤمن، كما علمنا أنه رتب الفوز والفلاح على التكلم بالشهادتين مع الإخلاص والعمل بمقتضاهما. فقد قال : "الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق" (٣). وقال أيضا : "الحياء شعبة من الإيمان" (٤). وقال أيضا : "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا" (٥).


(١) متفق عليه وتقدم.
(٢) قال عفيفي: انظر ص ٢٩٠ - ٢٩٦ من كتاب الإيمان ج ٧ من مجموع الفتاوى.
(٣) متفق عليه من حديث أبي هريرة، واللفظ لمسلم باختلاف يسير، وهو مخرج في "الصحيحة" "١٧٦٩ - المجلد الرابع" وهو تحت الطبع.
(٤) متفق عليه، وهو طرف من الحديث الذي قبله.
(٥) صحيح، رواه أبو داود وابن حبان والحاكم وأحمد وغيرهم.

<<  <   >  >>