للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أنهم يرونه كرؤية الشمس والقمر ليلة البدر ليس دونه سحاب، فلا يرونه إلا من فوقهم، كما قال : "بينا أهل الجنة في نعيمهم، إذ سطع لهم نور، فرفعوا رءوسهم، فإذا الجبار قد أشرف عليهم من فوقهم، وقال: يا أهل الجنة، سلام عليكم، ثم قرأ قوله تعالى: ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ [يس: ٥٨]. ثم يتوارى عنهم، وتبقى رحمته وبركته عليهم في ديارهم" (١) رواه الإمام أحمد في المسند، وغيره، من حديث جابر . ولا يتم إنكار الفوقية إلا بإنكار الرؤية. ولهذا طرد الجهمية الشقين (٢)، وصدق أهل السنة بالأمرين معا، وأقروا بهما، وصار من أثبت الرؤية ونفى العلو مذبذبا بين ذلك، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء! وهذه الأنواع من الأدلة لو بسطت أفرادها لبلغت نحو ألف دليل، فعلى المتأول أن يجيب عن ذلك كله! وهيهات له بجواب صحيح عن بعض ذلك!

وكلام السلف في إثبات صفة العلو كثير جدا؛ فمنه: ما روى شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري في كتابه الفاروق، بسنده إلى مطيع البلخي: أنه سأل أبا حنيفة عمن قال: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض؟ فقال: قد كفر، لأن الله يقول: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥] وعرشه فوق سبع سماواته، قلت: فإن قال: إنه على العرش، ولكن يقول: لا أدري العرش في السماء أم في الأرض؟ قال: هو كافر، لأنه أنكر أنه في السماء، فمن أنكر أنه في السماء فقد كفر. وزاد غيره: لأن الله في أعلى عليين، وهو يدعى من أعلى، لا من أسفل. انتهى. ولا يلتفت إلى من أنكر ذلك ممن ينتسب إلى مذهب أبي حنيفة، فقد انتسب إليه طوائف معتزلة وغيرهم، مخالفون له في كثير من اعتقاداته. وقد ينتسب إلى مالك والشافعي وأحمد من يخالفهم في [بعض] اعتقاداتهم. وقصة أبي يوسف في استتابة بشر المريسي، لما أنكر أن يكون الله ﷿ فوق العرش مشهورة. رواها عبد الرحمن بن أبي حاتم وغيره.

ومن تأول "فوق"، بأنه خير من عباده وأفضل منهم، وأنه خير من العرش


(١) ضعيف، وتقدم.
(٢) في الأصل: النفيين.

<<  <   >  >>