فقال عمرو بن عبيد: اللهم إنك لم ترد أن تسرق ناقته فسرقت، فارددها عليه! فقال الأعرابي: لا حاجة لي في دعائك! قال: ولم؟ قال: أخاف -كما أراد أن لا تسرق فسرقت- أن يريد ردها فلا ترد!! وقال رجل لأبي عصام القسطلاني (١): أرأيت إن منعني الهدى وأوردني الضلال ثم عذبني، أيكون منصفا؟ فقال له أبو عصام: إن يكن الهدى شيئا هو له فله أن يعطيه من يشاء ويمنعه من يشاء.
ومنشأ الضلال: من التسوية بين: المشيئة، والإرادة، وبين: المحبة، والرضى، فسوى الجبرية والقدرية، ثم اختلفوا، فقالت الجبرية: الكون كله بقضائه وقدره، فيكون محبوبا مرضيا. وقالت القدرية النفاة: ليست المعاصي محبوبة لله ولا مرضية له، فليست مقدرة ولا مقضية، فهي خارجة عن مشيئته وخلقه، وقد دل
(١) دخل عبد الجبار الهمداني أحد شيوخ المعتزلة على الصاحب ابن عباد وعند أبو إسحاق الإسفراييني أحد أئمة السنة فلما رأى الأستاذ قال: سبحان من تنزه عن الفحشاء، فقال الأستاذ فورا: سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء، فقال القاضي: أيشاء ربنا أن يعصى؟ قال الأستاذ: أيعصي ربنا قهرا؟ فقال القاضي: أرأيت أن منعني الهدى وقضى عليّ بالردى أحسن إليّ أم أساء؟ فقال الأستاذ: إن منعك ما هو لك فقد أساء وإن منعك ما هو له فهو يختص برحمته من يشاء، فبهت القاضي عبد الجبار، وفي "تاريخ الطبري" "٨/ ١٢٥" أن عيلان قال لميمون بن مهران بحضرة هشام بن عبد الملك الذي أتى به ليناقشه: أشاء الله أن يعصى؟ فقال له ميمون: أفعصي كارها.