للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ارفع رأسك، وقل يسمع، واشفع تشفع، فأقول: ربي: أمتي، فيحد لي حدا، فأدخلهم الجنة، ثم أنطلق فأسجد، فيحد لي حدا" (١) ذكرها ثلاث مرات.

وأما الاستشفاع بالنبي وغيره في الدنيا إلى الله تعالى في الدعاء، ففيه تفصيل: فإن الداعي تارة يقول: بحق نبيك أو بحق فلان، يقسم على الله بأحد من مخلوقاته، فهذا محذور من وجهين: أحدهما: أنه أقسم بغير الله. والثاني: اعتقاده أن لأحد على الله حقا. ولا يجوز الحلف بغير الله، وليس لأحد على الله حق إلا ما أحقه على نفسه، كقوله تعالى: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِين﴾ [الروم: ٤٧]. وكذلك ما ثبت في "الصحيحين" من لمعاذ ، وهو رديفه: "يا معاذ، أتدري ما حق الله على عباده؟ " قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "حقه عليهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ " قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "حقهم عليه أن لا يعذبهم" (٢). فهذا حق وجب بكلماته التامة ووعده الصادق، لا أن العبد نفسه مستحق على الله شيئا كما يكون للمخلوق على المخلوق، فإن الله هو المنعم على العباد بكل خير، وحقهم الواجب بوعده هو أن لا يعذبهم، وترك تعذيبهم معنى لا يصلح أن يقسم به، ولا أن يسأل بسببه ويتوسل به، لأن السبب هو ما نصبه الله سببا. وكذلك الحديث الذي في المسند من حديث أبي سعيد عن النبي ، في قول الماشي إلى الصلاة: "أسألك بحق ممشاي هذا، وبحق السائلين عليك" (٣)، فهذا حق السائلين، هو أوجبه على نفسه، فهو الذي أحق للسائلين أن يجيبهم، وللعابدين أن يثيبهم، ولقد أحسن القائل:

ما للعباد عليه حق واجب … كلا ولا سعي لديه ضائع

إن عذبوا فبعدله أو نعموا … فبفضله وهو الكريم السامع


(١) متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري .
(٢) متفق عليه. حديث ابن عباس خرجته في "الإرواء" "٨٥٥".
(٣) ضعيف، وقد فصلت القول في ذلك في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" "رقم ٢٤".

<<  <   >  >>