فكذلك يجب أن لا يعدل عن الألفاظ الشرعية نفيا ولا إثباتا، لئلا يثبت معنى فاسد، أو ينفى معنى صحيح، وكل هذه الألفاظ المجملة عرضة للمحق والمبطل.
وأما لفظ الجهة، فقد يراد به ما هو موجود، وقد يراد به ما هو معدوم، ومن المعلوم أنه لا موجود إلا الخالق والمخلوق، فإذا أريد بالجهة أمر موجود غير الله تعالى كان مخلوقا، والله تعالى لا يحصره شيء، ولا يحيط به شيء من المخلوقات، تعالى الله عن ذلك، وإن أريد بالجهة أمر عدمي، وهو ما فوق العالم، فليس هناك إلا الله وحده، فإذا قيل: إنه في جهة بهذا الاعتبار، فهو صحيح، ومعناه: أنه فوق العالم حيث انتهت المخلوقات فهو فوق الجميع، عال عليه، ونفاة لفظ الجهة الذين يريدون بذلك نفي العلو، يذكرون من أدلتهم: أن الجهات كلها مخلوقة، وأنه كان قبل الجهات، وأن من قال: إنه في جهة يلزمه القول بقدم شيء من العالم، وأنه كان مستغنيا عن الجهة ثم صار فيها، وهذه الألفاظ ونحوها إنما تدل على أنه ليس في شيء من المخلوقات، سواء سمي جهة أو لم يسم، وهذا حق، ولكن الجهة ليست أمرا وجوديا، بل أمر اعتباري، ولا شك أن الجهات لا نهاية لها، وما لا يوجد فيما لا نهاية له فليس بموجود.
وقول الشيخ ﵀: لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات، هو حق، باعتبار أنه لا يحيط به شيء من مخلوقاته، بل هو محيط بكل شيء وفوقه، وهذا المعنى هو الذي أراده الشيخ ﵀، لما يأتي في كلامه: أنه تعالى محيط بكل شيء وفوقه. فإذا جمع بين كلاميه، وهو قوله: لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات، وقوله: محيط بكل شيء وفوقه، علم أن مراده أن الله تعالى لا يحويه شيء، ولا يحيط به شيء، كما يكون لغيره من المخلوقات، وأنه تعالى هو المحيط بكل شيء، العالي عن كل شيء.
لكن بقي في كلامه شيئان: أن إطلاق مثل هذا اللفظ، مع ما فيه من الإجمال والاحتمال، كان تركه أولى، وإلا تسلط عليه، وألزم بالتناقض في إثبات الإحاطة والفوقية ونفي جهة العلو، وإن أجيب عنه بما تقدم، من أنه إنما نفى أن يحويه شيء