للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قول فلان؟! وإذا زعم أنه يأخذه من كتاب الله لا يتلقى تفسير كتاب الله من أحاديث الرسول، ولا ينظر فيها، ولا فيما قاله الصحابة والتابعون لهم بإحسان، المنقول إلينا عن الثقات النقلة، الذين تخيرهم النقاد، فإنهم لم ينقلوا نظم القرآن وحده، بل نقلوا نظمه ومعناه، ولا كانوا يتعلمون القرآن كما يتعلم الصبيان، بل يتعلمونه بمعانيه. ومن لا يسلك سبيلهم فإنما يتكلم برأيه، ومن يتكلم برأيه وما يظنه دين الله ولم يتلق ذلك من الكتاب فهو مأثوم وإن أصاب، ومن أخذ من الكتاب والسنة فهو مأجور وإن أخطأ، لكن إن أصاب يضاعف أجره.

وقوله: والرؤية حق لأهل الجنة، تخصيص أهل الجنة بالذكر، يفهم منه نفي الرؤية عن غيرهم، ولا شك في رؤية أهل الجنة لربهم في الجنة، وكذلك يرونه في المحشر قبل دخولهم الجنة، كما ثبت ذلك في الصحيحين عن رسول الله (١). ويدل عليه قوله تعالى: ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ﴾ [الأحزاب: ٤٤]. واختلف في رؤية أهل المحشر على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا يراه إلا المؤمنون. الثاني: يراه أهل الموقف، مؤمنهم وكافرهم، ثم يحتجب عن الكفار ولا يرونه بعد ذلك. الثالث: يراه مع المؤمنين المنافقون دون بقية الكفار. وكذلك الخلاف في تكليمه لأهل الموقف.

واتفقت الأمه على أنه لا يراه أحد في الدنيا بعينه، ولم يتنازعوا في ذلك إلا في نبينا خاصة: منهم من نفى رؤيته بالعين، ومنهم من أثبتها له ، وحكى القاضي عياض في كتابه الشفا اختلاف الصحابة ومن بعدهم في رؤيته ، وإنكار عائشة أن يكون رأى ربه بعين رأسه، وأنها قالت لمسروق حين سألها: هل رأى محمد ربه؟ فقالت: لقد قف شعري مما قلت، ثم قالت: من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب (٢). ثم قال: وقال جماعة بقول عائشة ، وهو المشهور عن ابن مسعود وأبي هريرة واختلف عنه، وقال بإنكار هذا وامتناع رؤيته في الدنيا جماعة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين. وعن ابن


(١) انظر صفحة ١٩٣.
(٢) أخرجه الشيخان وأحمد "٦/ ٤٩" في حديث لها معروف.

<<  <   >  >>