للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس" (١). وقال: "إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإنما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة، واتفق العلماء على أن المصلي إذا تكلم في الصلاة" (٢)، عامدا لغير مصلحتها بطلت صلاته، واتفقوا كلهم على أن ما يقوم بالقلب، من تصديق بأمور دنيوية وطلب، لا يبطل الصلاة، وإنما يبطلها التكلم بذلك، فعلم اتفاق المسلمين على أن هذا ليس بكلام.

وأيضا: ففي الصحيحين عن النبي أنه قال: "إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها، ما لم تتكلم به أو تعمل به" (٣)، فقد أخبر أن الله عفا عن حديث النفس إلا أن تتكلم، ففرق بين حديث النفس وبين الكلام، وأخبر أنه لا يؤاخذ به حتى يتكلم به، والمراد: حتى ينطق به اللسان، باتفاق العلماء، فعلم أن هذا هو الكلام في اللغة، لأن الشارع إنما خاطبنا بلغة العرب.

وأيضا ففي "السنن": أن معاذا قال: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: "وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم" (٤). فبين أن الكلام إنما هو باللسان، فلفظ القول والكلام وما تصرف منهما، من فعل ماض ومضارع وأمر واسم فاعل؛ إنما يعرف في القرآن والسنة وسائر كلام العرب إذا كان لفظا ومعنى، ولم يكن في مسمى الكلام نزاع بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وإنما حصل النزاع بين المتأخرين من علماء أهل البدع، ثم انتشر.

ولا ريب أن مسمى الكلام والقول ونحوهما ليس هو مما يحتاج فيه إلى قول


(١) مسلم وغيره من حديث معاوية بن الحكم، "صحيح أبي داود" "٨٦٢" و"الإرواء" "٣٩٠".
(٢) النسائي وغيره بسند حسن، وعلقه البخاري مجزوما "صحيح أبي داود" "٨٥٧".
(٣) متفق عليه، من حديث أبي هريرة "إرواء الغليل" "٢٠٦٢".
(٤) رواه الترمذي وغيره بسند فيه انقطاع، وقد بين ذلك الحافظ ابن رجب الحنبلي في "شرح الأربعين" بيانا شافيا، فليراجعه من شاء.

<<  <   >  >>