الوجه المذكور وإنزاله، أي هذا قول الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وهم السلف الصالح، وأن هذا حق وصدق.
وقوله: وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ليس بمخلوق ككلام البرية، رد على المعتزلة وغيرهم بهذا القول ظاهر، وفي قوله: بالحقيقة رد على من قال: إنه معنى واحد قام بذات الله لم يسمع منه وإنما هو الكلام النفساني؛ لأنه لا يقال لمن قام به الكلام النفساني ولم يتكلم به: إن هذا كلام حقيقة، وإلا للزم أن يكون الأخرس متكلما، ولزم أن لا يكون الذي في المصحف عند الإطلاق هو القرآن ولا كلام الله، ولكن عبارة عنه ليست هي كلام الله، كما لو أشار أخرس إلى شخص بإشارة فهم بها مقصوده، فكتب ذلك الشخص عبارته عن المعنى الذي أوحاه إليه ذلك الأخرس، فالمكتوب هو عبارة ذلك الشخص عن ذلك المعنى، وهذا المثل مطابق غاية المطابقة لما يقولونه، وإن كان الله تعالى لا يسميه أحد "أخرس"، لكن عندهم أن الملك فهم منه معنى قائما بنفسه، لم يسمع منه حرفا ولا صوتا، بل فهم معنى مجردا، ثم عبر عنه، فهو الذي أحدث نظم القرآن وتأليفه العربي، وأن الله خلق في بعض الأجسام كالهوى الذي هو دون الملك هذه العبارة.
ويقال لمن قال: إنه معنى واحد: هل سمع موسى ﵇ جميع المعنى أو بعضه؟ فإن قال: سمعه كله، فقد زعم أنه سمع جميع كلام الله! وفساد هذا ظاهر، وإن قال: بعضه، فقد قال: يتبعض. وكذلك كل من كلمه الله أو أنزل إليه شيئا من كلامه.
ولما قال تعالى للملائكة: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: ٣٠]. ولما قال لهم: ﴿اسْجُدُوا لِآَدَمَ﴾. وأمثال ذلك، هل هذا جميع كلامه أو بعضه؟ فإن قال: إنه جميعه، فهذا مكابرة، وإن قال: بعضه، فقد اعترف بتعدده.
وللناس في مسمى الكلام والقول عند الإطلاق أربعة أقوال: أحدها: أنه يتناول اللفظ والمعنى جميعا، كما يتناول لفظ الإنسان الروح والبدن معا، وهذا قول السلف. الثاني: اسم اللفظ فقط، والمعنى ليس جزء مسماه، بل هو مدلول مسماه، وهذا قول جماعة من المعتزلة وغيرهم. الثالث: أنه اسم "للمعنى" فقط، وإطلاقه على اللفظ مجاز؛ لأنه دال عليه، وهذا قول ابن كلاب ومن اتبعه.