للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، قال: هذا كلام الله، إن كان عنده خبر ذلك، وإلا قال: لا أدري كلام من هذا؟ ولو أنكر عليه أحد ذلك لكذب، ولهذا من سمع من غيره نظما أو نثرا، يقول له: هذا كلام من؟ هذا كلامك أو كلام غيرك؟

وبالجملة، فأهل السنة كلهم، من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم من السلف والخلف، متفقون على أن كلام الله غير مخلوق، ولكن بعد ذلك تنازع المتأخرون في أن كلام الله هل هو معنى واحد قائم بالذات، أو أنه حروف وأصوات تكلم الله بها بعد أن لم يكن متكلما، أو أنه لم يزل متكلما إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء وأن نوع الكلام قديم، وقد يطلق بعض المعتزلة على القرآن أنه غير مخلوق، ومرادهم أنه غير مختلق (١) مفترى مكذوب، بل هو حق وصدق، ولا ريب أن هذا المعنى منتف باتفاق المسلمين.

والنزاع بين أهل القبلة إنما هو في كونه مخلوقا خلقه الله، أو هو كلامه الذي تكلم به وقام بذاته؟ وأهل السنة إنما سئلوا عن هذا، وإلا فكونه مكذوبا مفترى مما لا ينازع مسلم في بطلانه، ولا شك أن مشايخ المعتزلة وغيرهم من أهل البدع معترفون (٢) بأن اعتقادهم في التوحيد والصفات والقدر لم يتلقوه لا عن كتاب ولا سنة، ولا عن أئمة الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وإنما يزعمون أن عقلهم دلهم عليه، وإنما يزعمون أنهم تلقوا من الأئمة الشرائع.

ولو ترك الناس على فطرهم السليمة وعقولهم المستقيمة، لم يكن بينهم نزاع، ولكن ألقى الشيطان إلى بعض الناس أغلوطة من أغاليطه، فرق بها بينهم. ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ [سورة البقرة: ١٧٦]، والذي يدل عليه كلام الطحاوي : أنه تعالى لم يزل متكلما إذا شاء كيف شاء، وأن نوع كلامه قديم. وكذلك ظاهر كلام الإمام أبي حنيفة في الفقه الأكبر، فإنه قال: والقرآن في المصاحف مكتوب، وفي القلوب محفوظ، وعلى الألسن مقروء، وعلى النبي منزل، ولفظنا بالقرآن مخلوق، والقرآن غير مخلوق، وما ذكر الله في


(١) في الأصل: مختلف.
(٢) في الأصل: مفترون.

<<  <   >  >>