للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعدم النوم والسنة، دون خلقه، فإنهم ينامون، وفي ذلك إشارة إلى [أن] نفي التشبيه ليس المراد منه نفي الصفات، بل هو سبحانه موصوف بصفات الكمال، لكمال ذاته، فالحي بحياة باقية لا يشبه الحي بحياة زائلة، ولهذا كانت الحياة الدنيا متاعا ولهوا ولعبا، وأن الدار الآخرة لهي الحيوان، فالحياة الدنيا كالمنام، والحياة الآخرة كاليقظة، ولا يقال: فهذه الحياة الآخرة كاملة، وهي للمخلوق؛ لأنا نقول: الحي الذي الحياة من صفات ذاته اللازمة لها، هو الذي وهب المخلوق تلك الحياة الدائمة، فهي دائمة بإدامة الله لها، لا أن الدوام وصف لزم لها لذاتها، بخلاف حياة الرب تعالى، وكذلك سائر صفاته، فصفات الخالق كما يليق به، وصفات المخلوق كما يليق به.

واعلم أن هذين الاسمين، أعني: الحي القيوم مذكوران في القرآن معا في ثلاث سور كما تقدم، وهما من أعظم أسماء الله الحسنى، حتى قيل: أنهما الاسم الأعظم، فإنهما يتضمنان إثبات صفات الكمال أكمل تضمن وأصدقه، ويدل القيوم على معنى الأزلية والأبدية ما لا يدل عليه لفظ القديم، ويدل أيضا على كونه موجودا بنفسه، وهو معنى كونه واجب الوجود، والقيوم أبلغ من "القيام" لأن الواو أقوى من الألف، ويفيد قيامه بنفسه، باتفاق المفسرين وأهل اللغة، وهو معلوم بالضرورة، وهل تفيد إقامته لغيره وقيامه عليه؟ فيه قولان، أصحهما: أنه يفيد ذلك، وهو يفيد دوام قيامه [وكل (١) قيامه]، لما فيه من المبالغة، فهو سبحانه لا يزول [و] لا يأفل، فإن الآفل قد زال قطعا، أي: لا يغيب ولا ينقص ولا يفنى ولا يعدم، بل هو الدائم الباقي الذي لم يزل ولا يزال، موصوفا بصفات الكمال. واقترانه بالحي يستلزم سائر صفات الكمال، ويدل على دوامها وبقائها، وانتفاء النقص والعدم عنها أزلا وأبدا، ولهذا كان قوله: ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة: ٢٥٥]، أعظم آية في القرآن، كما ثبت ذلك في "الصحيح" عن النبي (٢)، فعلى هذين الاسمين مدار الأسماء الحسنى كلها، وإليهما ترجع معانيها.


(١) كذا في النسخ المطبوعة ولعل الأجود، وكمال قيامه.
(٢) رواه مسلم "٢/ ١٩٩" عن أبي بن كعب.

<<  <   >  >>