للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مرادهم أنه لا يشبه المخلوق في أسمائه وصفاته وأفعاله، كما تقدم من كلام أبي حنيفة أنه تعالى يعلم لا كعلمنا، ويقدر لا كقدرتنا، ويرى لا كرؤيتنا. وهذا معنى قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [سورة الشورى: ١١]. فنفى المثل وأثبت الصفة.

وسيأتي في كلام الشيخ إثبات الصفات، تنبيهًا على أنه ليس نفي التشبيه مستلزمًا لنفي الصفات.

ومما يوضح هذا: أن العلم الإلهي لا يجوز أن يستدل فيه بقياس تمثيلي يستوي فيه الأصل والفرع، ولا بقياس شمولي يستوي أفراده، فإن الله سبحانه ليس كمثله شيء، فلا يجوز أن يمثل بغيره، ولا يجوز أن يدخل هو وغيره تحت قضية كلية يستوي أفرادها، ولهذا لما سلكت طوائف من المتفلسفة والمتكلمة مثل هذه الأقيسة في المطالب الإلهية، لم يصلوا بها إلى اليقين، بل تناقضت أدلتهم، وغلب عليهم بعد التناهي الحيرة والاضطراب، لما يرونه من فساد أدلتهم أو تكافيها (١).

ولكن يستعمل في ذلك قياس الأولى، سواء كان تمثيلًا أو شمولًا، كما قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ [سورة النحل: ٦٠]. مثل أن يعلم أن كل كمال للممكن أو للمحدث، لا نقص فيه بوجه من الوجوه، وهو ما كان كمالًا للوجود غير مستلزم للعدم بوجه؛ فالواجب القديم أولى به. وكل كمال لا نقص فيه بوجه من الوجوه، ثبت نوعه للمخلوق والمربوب المدبر؛ فإنما استفاده من خالقه وربه ومدبره، وهو أحق به منه، وأن كل نقص وعيب في نفسه، وهو ما تضمن سلب هذا الكمال، إذا وجب نفيه عن شيء من أنواع المخلوقات والممكنات والمحدثات؛ فإنه يجب نفيه عن الرب تعالى بطريق الأولى.

ومن أعجب العجب: أن من غلاة نفاة الصفات الذين يستدلون بهذه الآية الكريمة على نفي الصفات والأسماء، ويقولون: واجب الوجود لا يكون كذا ولا يكون كذا، ثم يقولون: أصل الفلسفة هي التشبيه بالإله على قدر الطاقة،


(١) أصل هذه الكلمة تكافئها، وتسهيل الهمزة حولها إلى ما ترى ومعناها: تساويها.

<<  <   >  >>