للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قَالَ: وَسَمِعْتُ سَهْلًا، يَقُولُ: " يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ أُعْطِيتُمِ الْإِقْرَارَ مِنَ اللِّسَانِ وَالْيَقِينَ مِنَ الْقَلْبِ وَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، وَإِنَّ لَهُ يَوْمًا يَبْعَثُكُمْ فِيهِ وَيَسْأَلُكُمْ عَنْ مَثَاقِيلِ الذَّرِّ مِنْ أَعْمَالِكُمْ مِنْ خَيْرٍ يَجْزِيكُمْ بِهِ أَوْ شَرٍّ يُعَاقِبُكُمْ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ أَوْ يَعْفُوَ عَنْهُ، قَالَ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ} [الأنبياء: ٤٧]، فَإِنَّ الْخَرْدَلَةَ إِذَا ⦗٢٠٩⦘ كُسِرَتْ يَكُونُ الْبَعْضُ مِنْهَا شَيْئًا، قَالَ {إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}، قِيلَ: فَكَيْفَ الْحِيلَةُ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: حَقِّقُوهَا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الْمَرْضِيَّةِ. قِيْلَ وَكَيْفَ لَنَا تَحْقِيقُهَا بِالْأَعْمَالِ الْصَّالِحَةِ؟ قَالَ: فِي خَمْسَةِ أَشْيَاءَ لَا بُدَّ لَكُمْ مِنْهَا: أَكَلُ الْحَلَالِ، وَلَبْسُ الْحَلَالِ الَّذِينَ تُؤَدُّونَ بِهِمَا الْفَرَائِضَ وَحِفْظُ الْجَوَارِحِ كُلِّهَا عَمَّا نَهَاكُمُ اللَّهُ عَنْهُ وَأَدَاءُ حُقُوقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا أَمَرَكُمْ بِهَا وَكُفُّ الْأَذَى لِكَيْ لَا تَذْهَبَ أَعْمَالُكُمْ فِي الْقِيَامَةِ وَتَسْلَمَ لَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَالْخَامِسَةُ الِاسْتِعَانَةُ بِاللَّهِ وَبِمَا عِنْدَهُ وَالْيَأْسُ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ وَذِكْرُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ كَيْ يُتِمَّ لَكُمْ ذَلِكَ فَاجْتَهِدُوا فِي ذَلِكَ إِلَى الْمَمَاتِ، قِيلَ: كَيْفَ تُصْبِحُ لِلْعَبْدِ هَذِهِ الْخِصَالُ؟ قَالَ: لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عَشَرَةِ أَشْيَاءَ يَدَعُ خَمْسًا وَيَتَمَسَّكُ بِخَمْسٍ: يَدَعُ وَسَاوِسَ الْعَدُوِّ وَالْقَبُولَ مِنْهُ، وَيَتَّبِعُ الْعَقْلَ فِيمَا يَنْصَحُهُ وَيَكُونُ فِيهِ رِضَا اللَّهِ وَيَدَعُ اهْتِمَامَهُ لِلدُّنْيَا وَاغْتِبَاطَهُ بِهَا لِأَهْلِهَا، وَيَدَعُ اتِّبَاعَ الْهَوَى وَيؤْثِرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِهِ وَيَدَعُ الْمَعْصِيَةَ وَالِاسْتِعَانَةَ بِهَا وَيَشْتَغِلُ بِالطَّاعَةِ وَيَرْغَبُ فِيهَا وَيَجْتَنِبُ الْجَهْلَ وَالْقِيَامَ عَلَيْهِ وَلَا يَدْنُو مِنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا حَتَّى يَحْكُمَ عَلَيْهِ فِيهِ وَيَطْلُبَ بَدَلَ الْجَهْلِ الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ بِهِ فَهَذِهِ عَشَرَةُ أَشْيَاءَ، قِيلَ لَهُ: كَيْفَ لَهُ يَفْهَمُ هَذَا وَيَعْلَمُ إِيشْ عَلَيْهِ وَيَعْمَلُ بِهِ؟ قَالَ: لَا بُدَّ لَهُ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: لَا يُتْعِبُ نَفْسَهُ وَلَا يُفْنِي عُمْرَهُ فِي جَمْعِ مَالٍ يَصِيرُ آخِرُهُ إِلَى الْمِيرَاثِ وَلَا يُتْعِبُ نَفْسَهُ وَلَا يَشْتَغِلُ بِبِنَاءٍ يَصِيرُ آخِرُهُ إِلَى الْخَرَابِ وَلَا يَرْغَبُ فِي أَكْلِ مَا يَصِيرُ آخِرُهُ إِلَى التَّفْلِ وَالْكَنِيفِ وَلَا فِي لِبَاسٌ يَصِيرُ آخِرُهُ إِلَى الْمَزَابِلِ وَلَا يَتَّخِذُ أَحْبَابًا يَصِيرُ آخِرُهُمْ إِلَى التُّرَابِ وَيُخْلِصُ وُدَّهُ وَحُبَّهَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ حَيًّا قَيُّومًا فَعَّالًا لِمَا يَشَاءُ، قِيلَ: وَكَيْفَ يَقْوَى عَلَى هَذَا؟ وَبِمَ يَقْوَى عَلَيْهِ؟ قَالَ: بِإِيمَانِهِ، قِيلَ: وكَيْفَ بِإِيمَانِهِ؟ قَالَ: بِعِلْمِهِ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مَوْلَاهُ وَشَاهِدُهُ عَالِمٌ بِهِ وَبِضَمَائِرِهِ قَائِمٌ عَلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد: ٣٣]، وَيَعْلَمُ أَنَّ مَضَرَّتَهُ وَمَنْفَعَتَهُ بِيَدِهِ، قَادِرٌ عَلَى فَرَحِهِ وَسُرُورِهِ، قَادِرٌ عَلَى غَمِّهِ وَأَنَّهُ بِهِ رَءُوفٌ رَحِيمً، فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهَا وَخَمْسَةٌ أُخَرُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهَا ⦗٢١٠⦘: لُزُومُ قَلْبِهِ عَلَى مُشَاهَدَةِ اللَّهِ إِيَّاهُ، وَقِيَامُهُ عَلَيْهِ مُطَّلِعًا عَلَى ضَمِيرِهِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [البقرة: ٢٣٥] فَيَرَاهُ بِقَلْبِهِ قَرِيبًا مِنْهُ فَيَسْتَحْيِي مِنْهُ وَيَخَافُهُ وَيَرْجُوهُ وَيُحِبُّهُ وَيُؤْثِرُهُ وَيَلْتَجِئُ إِلَيْهِ وَيُظْهِرُ فَقْرَهُ وَفَاقَتَهُ لَهُ وَيَنْقَطِعُ إِلَيْهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، فَهَذِهِ مَا لَا بُدَّ لِلْخَلْقِ أَجْمَعِينَ مِنْهَا أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا بَعْثَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْبِيَاءَهُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِهَذَا، وَلِهَذَا وَفِي هَذَا وَأَنْزَلَ الْكِتَابَ لِهَذَا وَجَاءَتِ الْآثَارُ عَنْ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذَا وَعَنْ أَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ وَعَمِلُوا بِهِ حَتَّى فَارَقُوا الدُّنْيَا وَكَانُوا عَلَى هَذَا لَا يُنْكِرُهُ إِلَّا جَاهِلٌ "

<<  <  ج: ص:  >  >>