للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رضي الله عنهم، فإن الخلع إنما جعله الشارع مقتضيا للبينونة ليحصل مقصود المرأة من الافتداء من زوجها، وإنما يكون ذلك مقصودها إذا قصدت أن تفارقه على وجه لا يكون له عليها سبيل، فإذا حصل هذا ثم فعل المحلوف عليه وقع وليست زوجته فلا يحنث، وهذا إنما حصل تبعاً للبينونة التابعة لقصدهما، فإذا خالعها ليفعل المحلوف عليه لم يكن قصدهما البينونة، بل حل اليمين، وحل اليمين إنما يحصل تبعاً للبينونة لا أنه المقصود بالخلع الذي شرعه الله ورسوله، وأما خلع الحيلة فجاءت البينونة فيه لأجل حل اليمين، وحل اليمين جاء لأجل البينونة، فليس عقد الخلع بمقصود في نفسه للرجل ولا للمرأة، والله تعالى لا يشرع عقداً لا يقصد واحد من المتعاقدين حقيقته، وإنما يقصدان به ضد ما شرعه الله له، فإنه شرع لتخلص المرأة من الزوج، والمتحيل يفعله لبقاء النكاح، فالشارع شرعه لقطع النكاح، والمتحيل يفعله لدوام النكاح "١.

ودل قوله أيضاً: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} (البقرة: من الآية٢٣٠) ، على تحريم نكاح التحليل، وهو أن يتزوج بشرط أنه إذا أحلها طلقها، أو ينويه بقلبه، أو يتفقا عليه قبل العقد، أي سواء اقترن الشرط بالعقد أو تقدم عليه، ونكاح التحليل حيلة ظاهرها النكاح المشروع وباطنها السفاح المحظور وهو المقصود للمرأة ولزوجها الأول والثاني، ولهذا لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له، وسمى المحلل تيساً مستعاراً، وقال خليفته الثاني رضي الله عَنه: لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما، وهو مشهور محفوظ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد أطال رحمه الله في هذا الصدد فليراجع كلامه فهو مفيد سديد٢.

خامساً: وقال تعالى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْراً مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} ٣.


١ إعلام الموقعين جـ٣ ص٢٨٠.
٢ انظر الفتاوى الكبرى جـ٣ ص٣٢٦ وما قبلها وما بعدها فى نكاح التحليل، وانظر كذلك منار لسبيل جـ٢ ص ١٧٣.
٣ الآية من ١٧-٣٣ من سورة القلم.

<<  <   >  >>