للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} (لأعراف: من الآية١٦٥) وذلك العذاب البئيس هو مسخهم قردة فانظر رحمك الله إلى حيل اليهود وخداعهم فهذا دال على أن الأعمال بمقاصدها وحقائقها دون صورها وظواهرها، ودال على أن كل حيلة يترتب عليها العبث بفرع من فروع الشريعة فضلا عن أصل من أصولها محرمة أشد التحريم وأن صاحبها معرض لأن يعاقب بمثل هذه العقوبة الشنيعة ولهذا قال تعالى في قصتهم مهدداً كل من يأتي بعدهم ويتبع آثارهم {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} (البقرة:٦٦) أي جعلنا هذه المسخة الشنيعة التي مسخناهم إياها عقوبة لما تقدمها من ذنوبهم التي واقعوها، ولما يأتي بعدها من أمثال ذنوبهم أن يعمل بها عامل فَيُمْسَخ كما مسخوا، وموعظة للمتقين إلى يوم القيامة١.

ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من ارتكاب ما فعلته اليهود من استحلال محارم الله بالحيل.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ثم مما يقضى منه العجب أن هذه الحيلة التي احتالها أصحاب السبت في الصيد قد استحلها طوائف من المفتين، حتى تعدى ذلك إلى بعض الحنابلة، فقالوا: إن الرجل إذا نصب شبكة أو شَصَّاَ قبل أن يُحْرم، ليقع فيه الصيد بعد إحرامه، ثم أخذه بعد حله لم يحرم ذلك، وهذه بعينها حيلة أصحاب السبت، وفي ذلك تصديق قوله سبحانه: {فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} (التوبة: من الآية٦٩) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن! " وهو حديث صحيح٢.

ثالثاً: وقال الله تعالى في النهي عن المضارة بين الزوجين: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ الله فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَالله عَزِيزٌ حَكِيمٌ} ٣.

ووجه الدلالة من الآية على تحريم الحيل أن الله تعالى حرم على المرأة إن كانت حاملا أن تكتم حملها، وإن كانت حائضاً أن تكتم حيضها، كذا فسر ابن عمر والحسن ومجاهد قوله تعالى: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ الله فِي أَرْحَامِهِنّ} (البقرة: من الآية٢٢٨) وكن يكتمن الحمل لئلا يشفق الرجل على الولد فيراجعها، ويكتمن الحيض لإطالة أمد العدة فيُلْزمن الرجل من


١ انظر تفسير القرطبي جـ ١ص ٤٣٩ وجـ٧ ص٣٠٤.
٢ إقامة الدليل ص ١٢٠-١٢١.
٣ الآية ٢٢٨ من سورة البقرة.

<<  <   >  >>