ما لا يجهل وينسوه ما كان لهؤلاء من الفضل، وأنهم لم ينقطعوا عن الله بدنياهم، بل ساروا إليه فكانت طريقا لهم إلى الله، فإن أعجزتهم هذه الحيلة- بأن تفتح بصيرة قلب العبد حتى كأنه يشاهد بها الآخرة وما أعده الله فيها لأهل طاعته وأهل معصيته فأخذ حذره وتأهب للقاء ربه ...
واستقصر مدة هذه الحياة الدنيا وحياته الدنيوية في جنب الحياة الباقية الدائمة- نقلوه إلى الطاعات المفضولة الصغيرة ليشغلوه بها عن الطاعات الفاضلة الكثيرة الثواب فيعمل حيلته في تركه كل طاعة كبيرة إلى ما هو دونها، فيعمل حيلته في تفويت الفضيلة عليه، فإن أعجزتهم هذه الحيلة - وهيهات – لم يبق لهم إلا حيلة واحدة وهي تسليط أهل الباطل والبدع والظلمة عليه يؤذونه وينفرون الناس عنه، ويمنعوهم من الاقتداء به ليفوتوا عليه مصلحة الدعوة إلى الله- وعليهم مصلحة الإجابة١.
النوع الثاني: من أقسام الحيل: أن تكون الحيلة مباحة تفضي إلى المقصود المحظور كما تفضي إلى غيره من المقاصد الحسنة كالسفر لقطع الطريق وقتل النفس التي حرم الله.
ومثل من يسافر إلى الخارج لكي يرتكب محارم الله تعالى، فيصير السفر حراما تحريماً قطعياً ونظيره كثير.
النوع الثالث: أن تكون الحيلة مباحة شرعت لغير هذا المقصود المحظور، فيتخذها المحتال وسيلة إليه، ومن أمثلة ذلك الفرار من الزكاة ببيع النصاب أو هبته أو استبداله قبيل حولان الحول، وهذا النوع هو محل الاشتباه وموضع الزلل وهو المقصود الأول لنا من الكلام على الحيل المحرمة، ولم نتكلم على غيرها من الحيل التي ظهر تحريمها إلا من باب تتميم الفائدة فقط، مع ما يتبعه من الفوائد الأخرى.
وهذا النوع - أعني ما كان المقصود منه محرماً والوسيلة مباحة لم تشرع له - حرام من جهتين: من جهة الغاية والمقصود، ومن جهة الوسيلة والطريق، أما من جهة الغاية فلأن المحتال قصد به إباحة ما حرم الله وإسقاط ما أوجبه، وأما من جهة الوسيلة فلأنه اتخذ آيات الله هزواً وقصد بالسبب ما لم يشرع له، بل قصد ضده فقد ضادَّ الشارع في الغاية والوسيلة والحكمة جميعاً.
وهذا النوع من الحيل على عدة أضرب:
الضرب الأول: الاحتيال لحل ما هو حرام في الحال كالحيل الربوية، وحيلة التحليل، والحيل الربوية نوعان: