للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحاصل المعنى: أنه إنما يرد بالمعاندة إذا بيّن له عالم بالفن عنده فلم يرجع، وأما إذا لم يثبت عنده أهلية الراد فلا، لأن المعاند كالمستخف بالحديث بترويج قوله بالباطل.

ثم إن هذه التشديدات المتقدمة كان في الأزمان المتقدمة، وأما المتأخرون فَجُل مقصودهم إبقاء السلسلة التي اختصت بها الأمة المحمدية، فلا يحتاجون إلى هذا كله بل إلى ما يحقق بقاء سلسلة الإسناد، وإليه أشار بقوله:

٣٢٣ - وَأَعَرَضُوا فِي هَذْهِ الأَزمَانِ ... عَنْ اعْتَبارِ هَذَهِ الْمَعَانِي

٣٢٤ - لِعُسْرِهَا مَعْ كَوْنِ ذَا الْمُرَادِ ... صَارَ بَقَا سَلْسَلَةِ الإِسْنَادِ

٣٢٥ - فَلْيُعْتَبَرْ تَكْلِيفُهُ وَالسَّتَرْ ... وَمَا رَوَى أَثْبَتَ ثَبْتٌ بَرُّ

٣٢٦ - وَلْيَرْوِ مِنْ مُوَافِقٍ لأَصْلِ ... شُيُوخِهِ فَذَاكَ ضَبْطُ الأَهْلِ

(وأعرضوا) أي تركوا يقال: أعرضت عن الشيء إذا أضربت، ووليت عنه، والهمزة فيه للصيرورة أي أخذت عرضاً أي جانباً غير الجانب الذي هو فيه أفاده الفيومي.

يعني: أن العلماء المحدثين وغيرهم تركوا (في هذه الأزمان) المتأخرة وهي ما بعد ثلاثمائة كما قاله الذهبي في الميزان، (عن اعتبار هذه المعاني) أي اجتماع هذه الأوصاف المتقدمة في الراوي، والجارَّان يتعلقان بالفعل.

يعني: أنهم لم يتقيدوا بوجودها في الراوي بل تسامحوا فيه، وإنما أعرضوا عنها (لعسرها) أي مشقة وجودها في الراوي وافيةً (مع) بسكون العين لغة في فتحها (كون ذا المراد) أي المقصود الآن من طلب الحديث (صار بقا) بالقصر للوزن (سلسلة الإسناد) أي اتصال بعضه ببعض.

قال في القاموس وشرحه السَّلْسَلَة: يعني: بفتح السين، وسكونٍ اللام الأولى، وفتح الثانية: اتصال الشيء بالشيء، وشيء مُسَلْسَلٌ متصل

<<  <  ج: ص:  >  >>