ولا خلقا أصفى، ولا وعدا أوفى، ولا ثوبا أطهر، ولا سمتا أوفر، ولا أصلا أطيب، ولا رأيا أصوب، ولا لفظا أعذب، ولا عرضا أنقى، ولا بناء أبقى، ممّا خصّ الله به ثالث القمرين، وسراج الخافقين، وعماد الثّقلين المعتصم بالله.
وقال بعض الكتّاب: إنّ من النعمة على المثنى عليك أن لا يخاف الإفراط، ولا يأمن التقصير، ولا يحذر أن يلحقه نقيصة الكذب، ولا ينتهى به المدح الى غاية، إلا وجد في فضلك عونا على تجاوزها. ومن سعادة جدّك أنّ الداعى لك لا يعدم كثرة المشايعين له، والمؤمنين معه.
وقال آخر: إنى فيما أتعاطى من مدحك كالمخبر عن ضوء النهار الباهر، والقمر الزاهر الذى لا يخفى على كلّ ناظر، وأيقنت أنى حيث انتهى بى القول الى العجز مقصر عن الغاية فانصرفت عن الثناء عليك الى الدعاء لك، ووكلت الإخبار عنك الى علم الناس بك.
وقال أبو عبد الله محمد بن الخباط من رقعة طويلة في المظفّر في أوّلها: حجب الله عن الحاجب المظفّر أعين النائبات، وقبض دونه أيدى الحادثات؛ فإنه مذ كان أنور من الشمس ضياء، وأكمل من البدر بهاء، وأندى من الغيث كفّا، وأحمى من الليث أنفا، وأسخى من البحر بنا، وأمضى من النصل لسانا، وأنجبه المنصور فجرى على سننه، وأدّب فأخذ بسننه، وكانت الرياسة عليه موقوفة، والسياسة اليه مصروفة، قصرت الأوهام عن كنه فضله، وعجزت الأقلام عن وصف مثله، غير أن الفضائل لا بدّ من نشرها، والمكارم لا عذر في ترك شكرها.
فهذه نبذة كافية مما ورد في المنثور فلنذكر ما ورد من المنظوم في ذلك.