للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو عمر: ولا خلاف بين العلماء أن الحسن إنما سلم الخلافة لمعاوية حياتة، لا غير، ثم تكون له من بعده، وعلى ذلك انعقد بينهما ما انعقد فى ذلك الوقت، ورأى الحسن ذلك خيرا من إراقة الدماء فى طلبها، وإن كان عند نفسه أحقّ بها.

قال [١] : ودخل معاوية الكوفة وبايعه الناس، فأشار عليه عمرو بن العاص أن يأمر الحسن بن على فيخطب الناس، فكره ذلك معاوية وقال: لا حاجة لنا بذلك: فقال عمرو: «ولكنى أريد ذلك ليبدو للناس عيّه، فإنه لا يدرى هذه الأمور ما هى» ولم يزل بمعاوية حتى أمر [٢] الحسن رضى الله عنه أن يخطب، وقال له: يا حسن قم فكلّم الناس فيما جرى بيننا. فقام الحسن رضى الله عنه فتشهد وحمد الله وأثنى عليه، ثم قال فى بديهته: أمّا بعد أيّها الناس فإن الله هداكم بأوّلنا وحقن دماءكم بآخرنا، وإنّ لهذا الأمر مدة، والدنيا دول، وإن الله عز وجل يقول: وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ. إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ

[٣] . فلما قالها، قال له معاوية: اجلس. ثم قام معاوية فخطب الناس، ثم قال لعمرو: هذه من رأيك.

ومن رواية [٤] عن الشعبى أن الحسن خطب فقال: «الحمد لله


[١] أبو عمر بن عبد البر فى الاستيعاب بسنده عن ابن شهاب ج ١ ص ٣٧٣.
[٢] انظر مروج الذهب ج ٢ ص ٥٢ ومقاتل الطالبين ص ٧٢ والكامل لابن الأثير ج ٣ ص ٢٠٤.
[٣] من الآيات ١٠٩، ١١٠، ١١١ فى سورة الأنبياء.
[٤] فى الاستيعاب ج ١ ص ٣٧٤.