إنى أعمل الحيلة فى إفساد مصر وأضرّ وآذى أهلها، فعملت أشياء وأرسلتها مع من ألقاها فى النيل، ففاض النيل على مزارعهم وغلّاتهم، وكثرت فيه التماسيح والضفادع، وكثرت العلل فى الناس، وانبثّت فيهم الثعابين والعقارب، فأحضر ماليق الكهنة والحكماء وقال: أخبرونى عن هذه الحوادث التى حدثت فى بلادنا ما هى؟ ولم لم تشرحوها فى طالع السنة؟ فاجتمعوا فى دار حكمتهم ونظروا حتى علموا أنه من ناحية الغرب، وأنّ امرأة عملته وألقته فى النيل، فعلم أنه من فعل تلك الساحرة، فقال لهم: اجهدوا أنفسكم فى هلاكها فقد بلغت فيكم مرادها، فاجتمعوا للهيكل الذى فيه صور الكواكب وأصنامها، وسألوا الملك الحضور معهم فلم يمكنه الخلاف عليهم. فلما أمسى لبس مسحا وافترش رمادا واستقبل مصلاه وأقبل على الابتهال إلى الله والتضرّع وقال: يا ربّ يا الله، أنت إله الآلهة، وخالق الخلق، ولا يكون شىء إلا بقضائك، أسألك أن تكفينى أمر هؤلاء القوم، وغلبه السهر فأغفى فى مصلاه، فرأى آتيا يقول له: قد رحم الله تضرّعك، وأجاب دعاءك، وهو مهلك هؤلاء القوم ومدمّر عليهم، وصارف عنك الماء المفسد والدوابّ المضرّة. فلمّا أصبح الكهنة غدوا عليه وسألوه حضور هيكلهم، فقال لهم:
قد كفيتكم أمر عدوّكم وأهلكتهم، وأزلت الماء الفاسد والدوابّ المضرّة عنكم، ولن تروا بعدها شيئا تكرهونه، فنظر بعضهم إلى بعض كالمنكرين لقوله وقالوا:
قد سررنا بما ذكره الملك، وهم يضمرون الاستهزاء به والتكذيب له، ومضوا إلى دار الحكمة فقال بعضهم: الرأى ألا تقولوا فى هذا شيئا، فإن كان حقّا وقفتم عليه، وإن كان باطلا اتسع لكم اللفظ فى لومه، وسيتبين لكم أمره.
فلما كان بعد يومين انكشف ذلك الماء الفاسد، وهلكت تلك الدوابّ المضرّة، فعلموا أن الذى أخبرهم به حقّ؛ وأمر قائدا من قوّاده ورجالا من الكهنة أن يمضوا