ويقال: إنه كان موحّدا على دين أجداده قبطيم ومصريم، وكانت القبط تذمّه لذلك. وكان سبب إيمانه فيما حكى أنه رأى فى منامه أن رجلين لهما أجنحة أتياه فآختطفاه وحملاه إلى الفلك، فأوقفاه بين يدى شيخ أسود أبيض الرأس واللحية، فقال: هل عرفتنى؟ فدخلته فزعة الحداثة، وكانت سنه نيّفا وثلاثين سنة، فقال له: ما أعرفك! فقال: أنا قرويس، يعنى زحل، فقال:
قد عرفتك، أنت إلهى، فقال: إنك وإن كنت تدعونى إلها فإنى مربوب مثلك، وإلهى الذى خلق السموات والأرض وخلقنى وخلقك، فقال: وأين هو؟
فقال: هو فى العلوّ لا تراه العيون، ولا تلحقه الأوهام، وهو الذى جعلنا سببا لتدبير العالم الأسفل. قال له ماليق الملك: فكيف أعمل؟ قال: تضمر فى نفسك ربوبيّته علينا. وتخلص فى وحدانيّته وتعرف بأزليّته. ثم إنه أمر الرجلين فأنزلاه؛ فانتبه وهو مذعور، فدعا رأس الكهنة فقصّ عليه رؤياه فقال: قد نهاك عن عبادة الأوثان فإنها لا تضرّ ولا تنفع، فقال له: من أعبد؟ قال: الله الذى خلق السموات والكواكب التى فيها والأرض ومن عليها. فكان الملك يحضر الهيكل فإذا سجد انحرف عن الصنم وأضمر السجود لخالق السموات والأرض دون غيره، ثم أخذ فى الغزو والغيبة عن أهل مصر وجال فى البلدان.
قال: وقال بعض أهل مصر: إنّ الله تعالى أيّده بملك من الملائكة يعضّده ويرشده، وربما أتاه فى نومه، فأمره أن يأمر الناس باتخاذ كل فاره من الخيل، واتخاذ السلاح وما يصلح للأسفار، وإعداد الزاد، واتخذ فى بحر الغرب مائتى سفينة، وخرج فى جيش عظيم فى البرّ والبحر، فلقيه جموع البربر فى جموع لا تحصى فهزمهم واستأصل أكثرهم، وبلغ إلى إفريقية وسار منها، وكان لا يمرّ بأمة إلّا أبادها إلى أن عدّى من ناحية الأندلس يريد الإفرنجة، وكان بها ملك عظيم يقال له: أرقيوس، فأقام يحاربه شهرا ثم طلب صلحه وأهدى له هدايا كثيرة فسار عنه، ودوّخ الأمم المتّصلة