وأجودها، وأبقاها على النار، وأعبقها بالثياب. قال: ولم تكن التّجار تجلبه فى الجاهليّة ولا ما بعدها، إلى آخر أيّام بنى أميّة، ولا ترغب فى حمله، لأجل المرارة التى فى رائحته؛ وإنّما كانت الأكاسرة تتبخّر بالمندلىّ والقمارىّ «١» والسّمندورىّ والصّنفىّ لشدّة حلاوة روائحها. وزعم أنّ تلك الحلاوة تولّد القمل فى الثّياب. قال:
ولم يكن الهندىّ يعرف فى هذه الأمصار، ولا كانت التّجّار تجلبه مع معرفتها بفضله فلمّا كان فى آخر أيّام الدّولة الأمويّة عند ما كثر الاختلاف بينهم، وقلّت الأموال فى أيديهم، شرعوا فى مصادرات الرّعايا، وأخذوا الأموال من غير وجوهها وتعرّضوا إلى أموال الأوقاف والأيتام، فتعرّض ولاة خراسان لبرمك ولولده وطالبوهما بالأموال، وكان تحت يد برمك أوقاف جليلة، فهرب هو وولده من أعمال خراسان الى بلاد الهند، فأقاموا بها الى أن ظهرت الدّولة العبّاسيّة، فرأى الحسين بن برمك طيبة العود الهندىّ وزهد التّجّار فيه، فاستجاده، واشترى منه واستكثر؛ ثم قدم خالد بن برمك وأخوه الحسين وأهلهما على المنصور أبى جعفر لمّا أفضت الخلافة اليه، فاصطنعهم وأدناهم وقرّبهم؛ فدخل الحسين يوما على المنصور وهو يتبخّر بالعود القمارىّ، فأعلمه أنّ عنده ما هو أطيب منه رائحة [وأنه «٢» حمله معه من الهند؛ فأمره المنصور بحمل ما عنده منه، فحمله اليه، فآستجاده المنصور، وأمر أن يكتب إلى الهند فى حمل الكثير منه، ولم تكره تلك المرارة