للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما لا يريبك»

. فيقدّم الإنكار، ولا يعجّل بالتأديب قبل الإنذار. وإذا رأى وقفة رجل مع امرأة فى طريق سابل لم تظهر منهما أمارات الرّيب، لم يعترض عليهما بزجر ولا إنكار، فما يجد الناس بدّا من هذا. وإن كانت الوقفة فى طريق خال، فخلوّ المكان ريبة، فينكرها؛ ولا يعجّل فى التأديب عليهما حذرا من أن تكون ذات محرم.

وليقل: إن كانت ذات محرم فصنها عن مواقف الرّيب، وإن كانت أجنبيّة فخف الله تعالى من خلوة تؤدّيك الى معصية الله. وليكن زجره بحسب الأمارات. وليستخبر.

فقد حكى أنّ عمر بن الخطّاب رضى الله عنه بينا هو يطوف بالبيت اذ رأى رجلا يطوف وعلى عنقه امرأة مثل المهاة حسناء جميلة، وهو يقول:

عدت لهذى جملا ذلولا ... موطّا أتّبع السّهولا

أعدلها بالكفّ أن تميلا ... أحذر أن تسقط أو تزولا

أرجو بذاك نائلا جزيلا

فقال له عمر: يا عبد الله، من هذه التى وهبت لها حجّك؟ فقال: امرأتى يا أمير المؤمنين! وإنها حمقاء مرغامه، أكول قامّه، لا يبقى لها خامّه [١] ؛ فقال له:

مالك لا تطلّقها؟ فقال: إنها حسناء لا تفرك، وأمّ صبيان فلا تترك، قال: فشأنك بها. فلم يقدم عمر رضى الله عنه بالإنكار حتى استخبره، فلما انتفت عنه الرّيبة أقرّه على فعله.

واذا جاهر رجل بإظهار الخمر، فإن كان من المسلمين، أراقها وأدّبه؛ وإن كان ذمّيّا أدّب على إظهارها، واختلف فى إراقتها عليه، فذهب أبو حنيفة الى


[١] المرغامة: المغضبة لبعلها. وقامّة: من قمّ ما على الخوان اذا لم يدع عليه شيئا. وخامّة: من خمّ اللحم وغيره اذا تغير وفسد.